الشريط الإخباري

نقد المعيارية في مخطط تقسيم العراق

قد لا تخضع السياسة للمنطق في كثير من الأحيان، فهي محكومة بالمصالح والمطامح في أغلب الأحيان، لكن لا شك في أن هناك شيئاً أكثر تعقيداً من المنطق وهو المعيارية، أي الآلية التي تجعل من أي تقييم أو قرار غير متناقض مع نفسه.

المعيارية تعطي أي حكم تكامله وقابليته للتطبيق، وهي تندرج في إطار الحس السليم الذي يتمتع به الإنسان بالفطرة سواء كان متعلماً أو غير متعلم. هذه المعيارية في الأحكام تجدها لدى الإنسان سواء كان في آخر قرية صغيرة وسط أدغال إفريقيا أو أستراليا، أو كان في أهم مراكز العلم والبحوث في أرقى الدول.

ولما كانت المعيارية شرط الأحكام، فإن وحدة المعايير شرط المعيارية ذاتها، وكل ما يخرج عن وحدة المعايير للحكم في القضية الواحدة يعتبر نوعاً من العبث الذي يصل حد اللامعنى.

ومعروفة قصة استخدام معايير مختلفة على حالة واحدة التي تمت في العهد اليوناني القديم بين أحد الأساتذة السفسطائيين وتلميذه. ولا يسمح المجال هنا لذكرها، لكن «فلسفة» نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حول «تقسيم» العراق أو على الأقل «فدرلته» في ثلاثة أقسام تجعل من بايدن مثاراً للسخرية حتى عند قدماء اليونانيين، فكيف لدى حكماء هذا العصر، أو لدى الإنسان العادي ذي الحس السليم.

مثيرة للسخرية نظرية بايدن، ليس لأنه يرغب في «تقسيم» بلد له أصحابه من شعب عريق، أو «فدرلته». هذا هو رأيه وهو حر فيه. السخرية تأتي من استخدامه معيارين مختلفين على حالة واحدة.

كيف يمكن «تقسيم» العراق وفق المعيار الطائفي في جهة، ووفق معيار آخر هو المعيار الإثني أو العرقي أو القومي في الجهة الثانية. أي حكم كي يكون متجانساً ينبغي أن يقوم على معيار واحد ما دامت الحالة واحدة.

بايدن يريد «تقسيم» العراق إلى ثلاث وحدات، في الجنوب والوسط يستخدم المعيار الطائفي، وفي الشمال يستخدم المعيار الإثني. ولو ناقش بايدن هذا الأمر مع آخر فلاح في العراق أو في تانزانيا لا فرق.

لا أناقش هنا مسألة «فدرلة» العراق فهذا حق حصري للشعب العراقي وحده، وهو ليس من اختصاص بايدن أو غيره. أناقش هنا مسألة المعيارية لا غير. فالعراق يمكن فدرلته –إذا كان هذا قرار الشعب- باستخدام معيار واحد، إما الإثني أو الطائفي.

إثنياً هناك مكونان، الأكبر عربي والأصغر في الشمال للأكراد. أما إذا كان المعيار طائفياً فالمسألة أكثر تعقيداً، لا لأن الدول الطائفية غير موجودة عملياً في العالم ولا يعرفها علم السياسة فحسب، وإنما لأن الأكراد يتكونون من طوائف متعددة، وكذلك العرب، ما يجعل «التقسيم» عبثياً. يبدو أن الحل المنطقي الوحيد هو وحدة العراق أرضاً وشعباً بكل طوائفه وإثنياته.

بقلم:د. مهدي دخل الله

انظر ايضاً

تشرين .. انتصارُ الانتماءِ على السلاح.. بقلم: ناظم عيد

“حاربْ عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه أنت”.. حكمةٌ شهيرةٌ منقولةٌ عن المهاتما …