لهذه الأسباب «تعلن» أميركا وأتباعها الحرب على «داعش»

ظن البعض أن إقرار الغرب بوجود الارهاب الفعلي في كل من سورية والعراق سيقود الى تشكيل جبهة دولية حقيقية تتصدى له، لأن في ذلك مصلحة للجميع في مواجهة «وحش» يفترس حتى اسياده وأبناءه.

ثم جاء قرار مجلس الامن تحت رقم 2170 ليعزز هذا الظن الذي كان من المنطقي ان يكون واقعيا، لأنه يستجيب لمصالح الدول التي ساهمت في إقراره والتي باتت تتظاهر أقله علناً، بخشيتها من ان يدخل الارهاب اليها ويجعلها فريسة له لا تقوى على تجنب تداعياته.‏

ولكن ومع رغبتنا بظهور موقف دولي صادق لمحاربة الارهاب الذي استشرى في العراق وسورية ويهدد الآن المنطقة والعالم بشروره، مع كل ذلك فإننا نشكك بصدقية دول الغرب وعلى رأسها اميركا، ونشكك بجدية دول الاقليم وخاصة تركيا وقطر والسعودية، نشكك بمواقفهم وصدقيتها في محاربة الارهاب لاننا نعرف حجم الدور الذي لعبه هؤلاء وما زالوا يمارسونه في انشاء التنظيمات الارهابية وتمويلها ورعايتها والتخطيط لعملياتها حتى وقيادة بعض اعمالها الارهابية بعد تحديد الاهداف التي تخدم المصالح الصهيواميركية اوالاهداف الاقليمية للدول التي ذكرنا.‏

إن تاريخ ومسار تلك الدول التي تتظاهر اليوم برفضها الارهاب تجعلنا غير قادرين بسهولة على تصديق ما تدعيه من يقظة ووعي واكتشاف مخــــــاطر الارهــــاب واحتمــــال ارتـــــداده عليهــــا..‏

لكن وفي كل الاحوال نرى وجوب درس مواقف تلك الاطراف الدولية والاقليمية من التنظيمات الارهابية التي بات اهمها على المسرح الآن تنظيمان اساسيان هما فرعان من فروع قاعدة الارهاب العالمي المتداول تسميتها بـ «القاعدة» والفرعان هما «الدولة الاسلامية» التي اعلنت من قبل الفرع الاول وانشأت «دولة الخلافة» التي انبثقت مما يسمى «دولة الارهاب في العراق والشام «داعش»، والفرع الثاني يتمثل بـ «جبهة نصرة بلاد الشام»، اواختصارا «النصرة» والتي تتنافس مع «داعش» في الميدان وتخدم معها المشروع الصهيواميركي تحت عنوان اقامة «الدولة الاسلامية» بدءاً من بلاد الشام وتمددا الى العالم كله كما يطمحون ويزعمون.‏

ونعود ونؤكد ان «القاعدة» وتفريعاتها ومنها من ذكرنا من «داعش» الى «النصرة» ما كانت لتنشأ اوتستمر أوتمتلك تلك القدرة في الميدان الى الحد الذي باتت فيه تشكل خطرا جديا على اكثر من اتجاه، ما كان كل ذلك ليكون لولم يكن هناك قرار اميركي بالانشاء والاحتضان، ومال خليجي في الدعم وتوفير كل المستلزمات وفكر وهابي تكفيري يجمع الناس ويحشدهم ويمكن التنظيم المحدث من استعارة اساليب الصهاينة في الارهاب والتي تختصر بقاعدة «اقتل واحداً واعلن انك قتلت عشرة فترهب مئة وتهجر ألفٍ»،‏

وبالتالي نجد ان الارهاب والتنظيمات الارهابية المذكورة قامت على عناصر ثلاثة:قرار اميركي خدمة للمشروع الصهيواميركي، وفكر وهابي، ومال خليجي، وان الذين يدعون اليوم نيتهم بمحاربة الارهاب هم انفسهم الذين أمنوا للارهاب عناصر انشائه وتكوينه واستمراره وتفعيله، وهم انفسهم الذين استعملوه مؤخرا في العراق وسورية لتدميرهما وانتاج بيئة تقسيمهما، فكيف نوفق بين المشهدين المتناقضين حيث تبدوالجهة المنشئة والممولة والمزودة للتنظيم بالعقيدة هي نفسها التي تتظاهر بأنها تتصدى اليوم لمحاربة من ابتدعت ومولت وارست العقيدة في صفوفه؟‏

وإذا سلمنا أو صدقنا بجدية هؤلاء في محاربة الارهاب، فعلينا ومن باب الحرص والفطنة ان نبحث في الاسباب الدافعة لتلك المواقف، والاهداف التي بيتغيها هؤلاء مما قد يظهر انقلابا على المنتج الذي ساهموا في ايجاده.‏

في تحليل المواقف وخلفيتها والاسباب ودوافعها، نصل الى نتيجة شبه قاطعة تؤكد بأن ليس هناك وحدة تجمع هؤلاء خلفية واهدافا ومع هذه النتيجة نستطيع ان نميز بين فئات ثلاث منهم كالتالي:‏

1- الفئة الاولى: والتي تتمثل بالغرب بقيادة اميركية، هذه الفئة لا تعتبر في العمق جادة في محاربة الارهاب، لانها لوكانت فعلا كذلك لكانت سلكت مسالك اخرى من شأنها التضييق على التنظيمات الارهابية وتجفيف مصادر قوتها بدءاً من إلزام تركيا بإقفال حدودها وبوابتها بوجه الحركة التي تأتي لدعم الارهابيين بالمقاتلين، ومنعا للارهابيين من تصدير النفط وبيعه بأبخس الاثمان في الاسواق العالمية وفي طليعتها الاسواق الاوربية، اوالضغط على دول الخليج للتوقف عن الدعم المالي والبشري لتلك التنظيمات. ولأن كل ذلك لم يحصل فإن أخذ مواقف اميركا موقف الجد بمحاربتها الارهاب يبقى دونه عقبات وصعوبات تجعلنا نمتنع عن تصديق اميركا والغرب في مواقفها تلك وتدفعنا للبحث عن خلفية تلك المواقف واسبابها.‏

وفي محصلة البحث نجد أن اميركا تريد من ادعائها السعي الى محاربة الارهاب تحقيق الاهداف التالية:‏

– الاول وهوالاهم الآن وهوالتأسيس لواقع دولي اوبيئة اقليمية تمكن اميركا من العمل العسكري على الاقل جوا ضد اهداف في سورية دونما حاجة لقرار من مجلس الامن او موافقة سورية، تدخل بذريعة «الدفاع عن الانسانية» و»الدفاع عن النفس «. وكان اقدام داعش على اعدام الصحافي الاميركي كما اعلن «وهوأمر تم التشكيك بصدقيته من قبل بعض اجهزة المخابرات الدولية ومراكز البحث والدراسات المتصلة بها» كان هذا الاعدام بمثابة الواقعة التي ستتخذها اميركا ذريعة للتدخل ضد داعش على الارض العراقية والسورية دون انتظار قرار من مجلس الامن، أو دفع المجلس لاتخاذ قرار تحت الفصل السابع يجيز لها العمل ضد داعش في اي مكان من العالم بما في ذلك سورية، وتعول اميركا على انشغال روسيا بالملف الاوكراني لتمرير مثل هذا القرار، الذي سيكون اذا حصل يمثابة الالتفاف على سقوط المشاريع الغربية السابقة ضد سورية بالفيتوالروسي الصيني المزدوج ولاكثر من مرة.‏

– الهدف الثاني يتمثل برغبة اميركا العودة المباشرة الى المسرح السوري لتجهض أو تخفض حجم الانجازات العسكرية السورية والنجاحات التي حققتها سورية على المسار السياسي ولتعوض اخفاقات العدوان طيلة السنوات الاربع، نقول ذلك دون ان ننسى اهدافا اخرى لاميركا من تظاهرها بمحاربة الارهاب اهمها التنصل من المسؤولية عن الجرائم الوحشية التي ترتكبها العصابات الارهابية من ابادة جماعية وتهجير ومجازر وتدمير والتأكيد للعصابات الارهابية بأنها تحت المراقبة الاميركية وعليها ألا تتجاوز الخطوط الحمر وأ لاتمس بأي شيء يعتبر لاميركا فيه مصلحة‏.

2- الفئة الثانية والتي تمثلها بشكل اساسي السعودية وبعض دول الخليج فترى ان «داعش» بعد اعلان «دولة الخلافة» باتت تهدد موقعها الاستراتيجي في العالم الاسلامي والعالم، خاصة اذا تمكنت من تقديم نفسها للغرب بانها «دولة أشد فعالية في خدمة اسرائيل والمصالح الغربية» من السعودية نفسها ومن كل منظومة مجلس التعاون الخليجي، ثم ان هناك خوفاً سعودياً من ان تقتحم «دولة الخلافة الارهابية»، على السعوديين قصورهم وتلحق مملكتهم بخلافتها بعد تصدع العلاقة بين الوهابية والسعودية وبروز شبح الطلاق بينهما. واخيرا تخشى السعودية ألا يكون للمال الذي تدفعه تمويلا لداعش، تأثيرا جديا في منعها من نقل نشاطها الى الداخل السعودي. لكل ذلك تسعى السعودية الى وضع حد لنمو داعش وتراكم قوتها، ولكنها لا تريد ان يبدوالتغيير في سياستها بمثابة الدعم للدولة السورية التي حاربتها ومولت العدوان عليها طيلة السنوات الاربع الماضية.‏

لا بل تتوخى السعودية ان تحول مقولة محاربة الارهاب الى فرصة لها لتعويض اخفاقها في سورية عبر السعي الى مخرج يرضيها، وايجاد مخرج من الازمة السورية يناسبها عبر تغيير الاشخاص في السلطة مع المحافظة على اصل النظام ما يشكل ظاهرا موقفاً وسطاً بين سعيها الفاشل في اسقاط النظام، اوالتسليم بالعجز والقبول به قواعد واشخاص، مخرج يمكنها ان تقول بانها انتصرت. ولاجل ذلك دعت السعودية الى لقاء جدة الخماسي تحت عنوان البحث عن حل للازمة السورية لتؤكد قيادتها الاستراتيجية ولتلتف على اخفاقاتها السابقة في خطط العدوان على سورية، ولتوحي لاميركا بانها جاهزة لتقديم الخدمات لها ضدالارهاب اولمصلحة تدخلها في سورية.‏

3- أما الفئة الثالثة والتي تمثلها تركيا وقطر، فهي تكتفي من محاربة الارهاب بالمواقف الاعلامية غير المؤثرة وتستمر في دعمها له بالشكل المتصاعد حتى باتت هي الاساس والمرتكز الذي تستند عليه «دولة الخلافة الارهابية». وتتصور هاتان الدولتان ان «داعش» هي خير اداة للانتقام من منافسيها وخصومها، ولا تشكل في أي حال من الاحوال خطرا عليها.‏

وعليه نرى ان «التظاهرة الدولية» لمحاربة ارهاب «داعش» و»النصرة»، لا تخلو من ايجابية على صعيد سورية ومحور المقاومة لانها تتضمن اقرارا دوليا بصحة مواقف سورية ووصفها لما يجري على اراضيها ارهابا لا علاقة له بالثورة ورغم هذا لايمكننا التسليم بجدية هذه التظاهرة وصدقيتها بشكل تام، فهي بالمنظور الغربي الاميركي «عملية ضبط وتأديب» ومن الجانب السعودي عملية «تحجيم واتقاء ضرر». تظاهرة فيها من الكمائن والافخاخ التي تعدها جبهة العدوان على سورية ومحور المقاومة ما ينبغي اليقطة والحذر منه والعمل على تعطيله كما عطلت افخاخاً وأشراك أخرى طيلة سنوات العدوان الاربع، والمقاومة قادرة اليوم على النجاح كما نجحت سابقا لأن فرص النجاح في المواجهة تبدو اكبر من فرص ما مضى وهذا ما يثير الثقة بالنفس والطمأنينة لدى هذا المحور، ومع ذلك يقتضي توخي الحذر.‏

بقلم: أمين حطيط