دمشق-سانا
تختزل مسيرة الفنان اللبناني الراحل ملحم بركات مرحلة ذهبية عاشها الفن اللبناني في النصف الثاني من القرن الماضي بعد أن نقل أعلام ورواد كبار التراث والفولكلور من ريف بلاد الشام إلى عموم الوطن العربي ليسجل بركات اسمه إلى جانب عمالقة موسيقيين من لبنان رحلوا لكنهم باتوا نجوما في سماء الفن.
وإضافة إلى الإبداع والحفاظ على الهوية فإن بركات الذي وافته المنية بالأمس عن عمر ناهز الثانية والسبعين سنة يشترك مع عمالقة الفن اللبناني بعلاقة الصداقة المتينة التي ربطتهم بسورية عبر عقود وعلى كل المستويات فكانت المنبر الذي انطلقوا منه والحضن الذي اكتنفهم في المحن والشدائد كما عبر عن ذلك بركات في أكثر من لقاء حتى آخر أيامه.
وبركات الذي ولد في بلدة كفرشيما بجبل لبنان درس الفن لمدة أربع سنوات في المعهد الموسيقي اللبناني سار على درب عرابه وابن ضيعته الراحل فلمون وهبي الذي اقترح عليه العمل مع الرحابنة فانضم إلى مسرحهم شابا وقدم عددا من الأدوار اللافتة فهو زيز الحصايد في هالة والملك والشيخ إبراهيم الطش في يعيش والمدعي العام في مسرحية الشخص ليفترق عنهم بعدها رغم دعواتهم المتكررة له لكنه أراد أن يشق لنفسه طريقه الخاص قبل أن يعود للعمل معهم كبطل لمسرحية الربيع السابع.
بركات الذي بدأ طريقه مطرباً يغني من ألحان غيره حيث قدم له فلمون وهبي والرحابنة وغيرهم العديد من الألحان سرعان ما غدا ملحن نفسه فظهرت له مئات الأغاني بدءاً من العمل ذائع الصيت “بلغي كل مواعيدي” وتلاه “سلم عليها يا هوى” “شو بعدو ناطر” “وحدي أنا” “حبيتك وبحبك” “مرتي حلوة” “على بابي واقف قمرين” “تعى ننسى” “أحلى ظهور” وغيرها الكثير.
الجانب الآخر لإبداع بركات الذي كان يرفض الغناء بغير لهجة بلاده يتجلى في ألحانه للعديد من كبار المطربين اللبنانيين والعرب حيث لحن للراحلين وديع الصافي “جينا نسأل خاطركم” ولصباح “المتجوز الله يزيدو” ولنصري شمس الدين “الطربوش” ولفهد بلان “ما اشتقتيش” إضافة إلى ألحانه العديدة لمطربين نجوم مثل جورج وسوف ونجوى كرم ووليد توفيق وسميرة توفيق وغسان صلبيا وماجدة الرومي التي لحن لها رائعتها “اعتزلت الغرام”.
بركات الذي أهدى سورية أغنية من روائعه وهي حبوا سورية حبوا ارتبط بعلاقات صداقة وزمالة عمل مع عدد الفنانين والموسيقيين السوريين حيث يقول عنه عازف الكمان والموسيقي نظير مواس في تصريح لـ سانا.. “عزفت مع الراحل بركات عامي 1991 و1992 وتعرفت عليه عن كثب ورغم التوتر والعصبية التي تطبع شخصيته لم تمنعه في أن يكون أحد أهم الملحنين العرب كما لمست فيه حبه الشديد لسورية التي شهدت أهم محطات مسيرته الفنية واستضافت أكبر حفلاته الغنائية فضلا عن إعجابه الكبير بنقابة الفنانين السوريين لدورها الكبير في حماية الفنان والدفاع عنه حسب رأيه”.
ويضيف مواس.. “كان للراحل آراؤه الفنية الخاصة وكان يكن احتراما كبيرا للراحل عاصي الرحباني ويعتبره رمزا لمدرسة الرحابنة وكان يفضل التعامل مع الموسيقيين السوريين ويعتبرهم أهم من نظرائهم اللبنانيين إلى درجة أنه وضع أغنية لعازف الكمان السوري الراحل صبحي جارور بعد خلاف معه”.
بدوره اعتبر الموسيقي محمد زغلول مدير مديرية المعاهد الموسيقية والباليه بوزارة الثقافة أن الراحل بركات واحد من رواد الحركة الموسيقية العربية كموزع وملحن وتميز بالتوزيع الأوركسترالي لأعماله التي حملت الكثير من الأكاديمية والتميز بأعماله فضلا عن كونه صاحب صوت وأداء متميزين وبصمة موسيقية.
محمد سمير طحان