الشريط الإخباري

حرب الدواعش

ربما كان “حرب الدواعش” هو العنوان الأبلغ الذي يعبر عن تزامن التسريبات حول مشروع قرار بريطاني أمام مجلس الأمن الدولي لمعاقبة كل من يتجنّد في صفوف “داعش” أو يساعده بأي صورة من الصور، مع ضربات أوباما الجوية للتنظيم في العراق، وتنطح فابيوس لمواجهته في أربيل، و”استفاقة” بعض العربان على خطورته وإجرامه.

والسبب في ذلك أن الأطراف السابقة جميعها لم تألُ جهداً لمساندة “داعش”، لا في السياسة ولا في الميدان ولا في الإعلام، بل ويقول البعض، والأحداث تثبت ذلك، إنها كانت، مجتمعة، “القابلة” التي ولد التنظيم على يديها، خاصة وأن “ضربات أوباما” هي، حتى الآن، ضربات خلبية- إعلامية بالدرجة الأولى، وهو على ما يبدو حال مشروع القرار البريطاني المذكور وحماس “فابيوس” والعربان المستجد للمواجهة.

ومع ذلك فإن للأمر بعض الإيجابيات، فهو، في الحد الأدنى، تعبير بليغ عن المأزق الذي وجد به رعاة “داعش” أنفسهم، بعد أن انقلب السحر على الساحر أو كاد، كما أنه، وهذا من دروس التاريخ الخالدة، إعلان مضمر من “الكبار” باقتراب موعد الخروج من المستنقع الذي صنعوه، تاركين الصغار وحدهم يدفعون الثمن، وبهذا الإطار نفهم محاولة، ساسة وملوك وأمراء، التعلق بسلم عربة محاربة الإرهاب علهم يحمون رؤوسهم حين يحين موعد نصب المقصلة.

ولأن دماءنا ليست لعبة في يد هؤلاء فيجب التأكيد على نقاط عدة، أولها للسوريين أنفسهم: فاستراتيجياً، وكما أصبح واضحاً للجميع، لم يعد هناك من أفق أمام من يقاتل ضد إخوته السوريين.

ثانيها لبعض العرب: أنفق “حسني مبارك” ثلاثين عاماً من عمره في خدمة المشروع الأمريكي في المنطقة، لكنها لم تحتج سوى لثلاثين ثانية كي تمحى من سجلات البيت الأبيض ويرفع الغطاء عن “الكنز الاستراتيجي” لـ “إسرائيل”، وهو ما حصل مع “شاه إيران” الذي لم يجد بيتاً لا أبيض ولا أسود يستقبله في واشنطن بعد انتهاء مدة صلاحيته، كما أن المروحيات الهاربة من “فيتنام” لم تتسع، كما يعرف الجميع، للعملاء هناك، وتلك دروس للعبرة لمن يعتبر.

ثالثها لبريطانيا: كي يكون مشروع القرار المقدّم لمجلس الأمن جدياً يفترض به أن يحوي أسماء الرعاة وجهات التمويل والتسليح، ويحدد بدقة العقوبات الواجب اتخاذها ضدهم، وربما يمكن البدء بإغلاق “الاوتوسترادات” المحمية رسمياً من “السلطان العثماني” والمفتوحة للإرهابيين باتجاه سورية والعراق، وللنفط المنهوب بالاتجاه المعاكس، كما بقطع أنابيب المال المتدفق من دول الخليج، وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعية وفضائيات الفتنة التي تروّج للإرهاب.

ورابعها لأوباما: إذا أردت حقيقة أن تضرب “داعش” فأنت تعرف جيداً أن المطلوب هو قطع رأس الأفعى كي تموت، وضربها حيثما وجدت، وليس مجرد إبعادها، عن كنزك الاستراتيجي في أربيل، للسماح لها بتركيز سمها على مكان آخر، وبكلمة أخرى: هل أن قصف شمال العراق فقط يعني أن “داعش” بإمكانها أن تنتقل إلى مناطق عراقية أو أن تبقى فاعلة في بلدان أخرى مثلاً؟!.

ولأن الأمر كذلك، على ما تشي به الوقائع القاطعة قبل الدلائل الظنية، فإن ما يحدث، من ضربات أوباما، وقرارات كاميرون، وبطولات فابيوس، ومليار آل سعود المرسل للبنان، ليس سوى حرب فريق من “الدواعش” على فريق آخر تجاوز التوجيه الاستراتيجي المحدد مسبقاً، وبالتالي من ينتصر في هذه الحرب هو “داعشي” بدوره.

ولذلك، فيما يخصنا، فإن البقاء على أهبة السلاح قدر محتوم، وليس خياراً محتملاً، كما أن إعلاء شأن الحوار الداخلي المعمق والصريح إلى مرتبة “فرض عين” واجب مقدس يساوي في أهميته وجود شعب وبقاء دولة، لا أكثر ولا أقل.

بقلم: أحمد حسن