دير مار جاورجيوس الحميراء من أقدم الأديرة في سورية وأبرز معالم منطقة وادي النضارى

حمص – سانا
في عمق وادي النضارة وبين غاباته الخضراء الكثيفة يركن دير مار جاورجيوس الحميراء معانقاً قلعة الحصن التي تشكل معه أبرز معالم منطقة وادي النضارى السياحية والاثرية في ريف حمص الغربي وهو من أقدم الأديرة المسيحية في سورية التى حافظت على حيويتها ونشاطها والذي اقتبس اسمه من اسم القديس جاورجيوس الملوكي كما تذكر المصادر التاريخية.21

ويوضح رئيس الدير الأب داماسكينوس أن الدير شكل وما يزال مكان محبة وسلام للجميع فهو أيقونة من الأيقونات التي تدل على عمق التاريخ لهذه المنطقة مؤكداً أنه سيبقى مقصداً لكل محب للسلام والخير ورمزاً للارتباط بهذه الأرض المعطاءة.

وتذكر بعض المصادر التاريخية أن بناء الدير يعود للقرن السادس الميلادي في زمن الإمبراطور يوستنيانوس والحميرا نسبة إلى موقع أثري اسمه الحميرا قريب منه يرجح أن يكون موقعاً لقرية قديمة كانت تحمل هذا الاسم نسبة إلى إله المطر عند الشعوب القديمة بينما يرجع بعض الدارسين لفظة حميراء إلى الكلمة اليونانية خوميروس التي تعني السيل حيث المنطقة معرضة للأمطار الغزيرة والسيول في فصل الشتاء ونبع الفوار الذي يقع بالقرب منها دليل على ذلك حيث ما زال يحافظ على غزارته منذ القديم وعلى طريقة تدفق المياه منه والتي حيرت الدارسين.

وتروي المصادر أن الدير بني في نفس الفترة التي بني فيها دير صيدنايا البطريركي ما دفع البعض للقول إن الإمبراطور يوستنيانوس البيزنطي هو الذي بنى الديرين معاً ومن المحتمل أيضاً أن تكون تسمية الدير معربة عن الكلمة اليونانية أموييرس والتي تعني الأخوية الروحية ذات الحياة المشتركة وتشير المصادر أيضا إلى أن المكان الذي بني فيه الدير يقع تاريخياً على الطريق الروماني العام المؤدي من السواحل البحرية لسورية إلى المناطق الداخلية كحمص وتدمر وعبر الصحراء.

ويتألف بناء الدير حالياً من ثلاث طبقات كل منها يعود بناؤها إلى مرحلة تاريخية محددة حيث كان الدير في المرحلة الأولى كهفاً تحيط به بعض المساكن البسيطة للرهبان الموجودين في تلك المنطقة وكان له واجهة جنوبية من العهد البيزنطي في مدخله الرئيسي بينما نحت الباب والأعتاب من الحجر الأسود الصلب الذي يبلغ ارتفاعه 93 سنتمترا وعرضه64 سنتمترا وتقبع على جانبه نافذة حجرية كان أخوة الدير يناولون منها الخبز والطعام لعابري السبيل والمحتاجين كما كان يطل أحد الرهبان المثقفين من هذه النافذة على قوافل المجتمعين ليعلمهم قواعد الدين والآداب.

وجاءت مرحلة البناء الثانية في عهد الصليبيين في القرن الثاني عشر حيث بنوا طابقاً ثانياً اتجهت بوابته نحو الغرب بارتفاع الأولى وعرضها وهي من الحجر الأسود وعليها رسم للصليب وتضمن هذا الطابق كنيسة تسمى الكنيسة القديمة لتمييزها عن الجديدة في الطابق الثالث ويقوم سقفها على عقد معلق في الجدران وفيه حامل أيقونات خشبي غاية في الدقة والإتقان يحوي مجموعة رائعة من الأيقونات.

أما المرحلة الثالثة فقد بنيت في القرن التاسع عشر وتحديداً في عام 1857 حيث بني طابق ثالث يضم كنيسة فخمة لها قبة عالية ترى من بعيد وفيها أيقونسطاس حامل أيقونات بديع النقش يعد من أهم الايقونسطاسات الخشبية في كنائس سورية ولبنان وقد دام صنعه مدة أربعة وثلاثين عاماً وأغلب هذه الأيقونات من صنع مدرسة القدس في القرن التاسع عشر.

ومن أهم الكنوز الفريدة في العالم المسيحي خزانة موجودة في الدير تحوي أواني كنسية من كؤوس وصوان وصلبان وغيرها ومخطوطات ووثائق أخرى وكتب تواص وامتيازات من العهد العربي وهدايا من ملوك الأرمن والكرج والروس.

ويقع بالقرب من الدير سوق قديم كان يسمى سوق العرضي حيث تتم فيه عرض المنتجات والبضائع في فترات الاحتفالات النبوية التي تقام في 6 أيار عيد مار جاورجيوس وفي 14 أيلول عيد الصليب.