طرطوس-سانا
تبدو رياضة الشطرنج من أهم الألعاب الذهنية التي يقاس بها تطور العقل البشري وقدرات التفكير وبينما سميت قديما بلعبة الملوك فإن ممارستها لا تقتصر اليوم على النخب بل تنتشر في جميع الفئات العمرية عالميا بين من يمارسها على اصولها وآخرين هواة لا يطمحون للاحتراف.
وككثير من الدول تنظم في سورية للشطرنج بطولات دورية ويشارك لاعبون سوريون متميزون في اللعبة على مستوى دولي الا ان اللعبة لا تزال في بعض المحافظات تفتقر للمستوى المطلوب وخصوصا في طرطوس رغم تميزها عموما بمستوى دراسي علمي متقدم تدل عليه نتائج طلابها في المدارس والكليات.
وكجهد رديف للبطولات التي ينظمها الاتحاد الرياضي برزت في طرطوس مبادرة أهلية لتوسيع انتشار اللعبة وممارستها وفق قواعد سليمة وفق ما يؤكده مطلق المبادرة لاعب الشطرنج ومدرس الرياضيات محمد ابراهيم معبرا عن حلمه بوصول الشطرنج إلى كل بيت ولعبها بالطريقة الصحيحة.
وفي حديث لنشرة سانا الرياضية أوضح إبراهيم دور الشطرنج في تعزيز قدرات الدماغ إذ تشير دراسات عالمية الى تنمية هذه اللعبة للمهارات الحسابية واللفظية والذكاء العاطفي ومهارات التواصل الاجتماعية وقراءة لغة الجسد نظرا لأن اللعبة تحتاج هذه المهارات لتوقع ردود أفعال الخصم فضلا عن دور الشطرنج في حماية كبار السن من الزهايمر.
وشبه إبراهيم الدماغ بجهاز الحاسوب فالمعالج في الحاسوب يمثل قدرة الدماغ على إيجاد حل لمسألة او مشكلة معينة في حين تعبر ذواكر الحاسوب عن سرعة الدماغ في ايجاد الحل والذي يرتبط بدوره بعامل الزمن كما يتشابه الدماغ والحاسوب في صياغة الحل او تنفيذه وإظهاره بشكل صحيح وسعة تخزين واسترجاع المعلومات مشيرا إلى أنه كما نحرص على امتلاك حاسوب بأفضل المواصفات لا بد من تنمية وتربية الدماغ للارتقاء به الى المستوى الأفضل.
في المرحلة الثانوية تنبه إبراهيم إلى تأثير الشطرنج على ملكاته العقلية حيث كان قادرا على حل مسائل الهندسة الفراغية دون الحاجة للرسم ولاحقا كمدرس للرياضيات لحظ الفروق الفردية بين الطلاب وارتباطها بمدى ممارستهم للشطرنج حيث يتميز الممارسون بالقدرة على الاستيعاب والاستنتاج أكثر من سواهم الأمر الذي جعل محمد يؤمن أكثر بفوائد هذه الرياضة ويتوسع في قراءة الدراسات العالمية حولها ومن تجربته يقول إبراهيم إنه لاحظ وجود احترام للعبة دون الاهتمام بممارستها على اصولها فضلا عن أن واقع اللعبة في طرطوس كان سيئا بالمقارنة مع محافظات أخرى مبينا أن مشاركته الرسمية لأول مرة في بطولة تمهيدي الجمهورية في آذار 2014 كان لها الدور الأكبر في تعرفه على الجانب الأكاديمي للشطرنج من خلال اطلاعه على ما يقدم من خبرات للاطفال والناشئين كان يتمنى تلقيها منذ صغره إضافة لاطلاعه على أداء أبطال ومدربي اللعبة في محافظات عدة ليبني بعدها علاقات وثيقة مع العديد منهم أمثال علي حمودي واحمد حماد وسامي كنجو ورولا محمود ومع مدربين بمستوى عال كبشار مصطفى.
ويوضح إبراهيم أن انضمامه عام 2015 إلى اللجنة الفنية للشطرنج بطرطوس كان بداية اتجاهه لوضع خطة عامة للتوسع الأفقي والعمودي في اللعبة حيث يعتمد الافقي على زيادة عدد الممارسين بينما يتضمن العمودي رفع مستواهم وحصد عدد أكبر من الألقاب والميداليات فظهرت سريعا أولى ثمار هذه الخطة في بطولة طرطوس عام 2015 حيث وصل عدد المشاركين إلى حد لم تتمكن الصالة من استيعابه.
وبالتعاون مع ادارة مدرسة الشهيد مراد عيزوقي استطاع إبراهيم افتتاح مركز تدريب وصل عدد المتدربين فيه إلى40 طفلا في تجربة ستتكرر الصيف القادم إضافة لتنظيم لقاءات بين أبطال ومخضرمي اللعبة مع الهواة الجدد ما ساعد أكثر على إدخالهم في جو الشطرنج الأكاديمي وتجهيز كورس متكامل لتعريفهم بكيفية تعامل الأبطال مع اللعبة.
وبحكم نشاطه مع فريق “سلام يا طبيعة” أقام إبراهيم عروضا مميزة في الشطرنج بمساعدة لاعبين مخضرمين ما أحدث انطباعا إيجابيا كبيرا وكذلك من خلال تعاونه مع كشاف طرطوس تم إعطاء دروس بالشطرنج بنادي الكشاف للتنمية عن طريق الرياضة والتواصل مع منسقين بدائرة تطوير المناهج بوزارة التربية بشأن إمكانية إعطاء الشطرنج مجالا اكبر في المدارس.
وتتضمن النشاطات المقبلة للمشروع التحضير لعرض شطرنج بالتعاون مع فرع شبيبة طرطوس وإقامة محاضرة في المركز الثقافي بصافيتا حول فوائد اللعبة إضافة للتنسيق مع مؤسسة مبادرون لإعطاء دروس حول كيفية التعامل مع الشطرنج وكذلك السعي لدى بعض العاملين في المجال الاجتماعي والإنساني لمحاولة نشر اللعبة قدر الإمكان علما أن المشروع مازال بحاجة إلى راع وممول لتوفير مستلزمات التوسع في نشر اللعبة وبطولاتها التنشيطية.
ويقول إبراهيم “لست بطلا لأصنع بطلا ..لكن يمكن بفكرة بسيطة مساعدة البطل على صناعة أبطال.. لذلك ركزت خلال الفترة الماضية على لاعبين في غاية التميز هما علي حمودي لاعب نادي الدريكيش وبطل الجمهورية للمرحلة التمهيدية ولاعب منتخب سورية واحمد حماد الاستاذ الاتحادي الوافد من حلب إلى طرطوس حيث تركز العمل على إقامة لقاءات ودية بينهما تحضيراً لبطولة الجمهورية ما أحدث صدى مهما في أوساط هواة اللعبة”.
وكأي مشروع وليد حاليا يعاني مشروع نشر الشطرنج في طرطوس صعوبات أبرزها ما يصفه ابراهيم ب”عدم التعاون الكافي من فرع الاتحاد الرياضي مع الأفكار الجديدة” إضافة إلى عدم تفرغه للمشروع مبينا أن التعويل كبير على دور وسائل التواصل الاجتماعي في التثقيف باللعبة حيث تم إنشاء صفحة لمجموعة خاصة بتدريب الشطرنج ونشر مسائل تدريبية على صفحة أخرى لديها نحو مئة ألف متابع وهي صفحة “ما لا تعرفه عن الرياضة” فضلا عن إنشاء مجموعة على “واتس اب” لتنزيل الدروس فيها ما يمكن اعتبارها مراكز تدريب “افتراضية”.
مشروع أهلي في طرطوس لإدخال الشطرنج إلى كل بيت وصناعة أبطال للعبة في المحافظة.