ليس لغواً القول: إن صناديق الانتخابات البرلمانية السورية حين تفتح أقفالها غداً فإنها تفتحها لمعركة من نوع آخر تندرج، ومن دون أدنى شك، في سياق الحرب الكبرى التي تشن في سورية وعليها، وهو سياق مستمر ومتواصل رغم “فيينا” ببيانها الشهير، و”جنيف” بأرقامه المتعددة، و”الهدنة” بكذبتها الكبرى، بدليل الواقع اليومي من جهة، وما كشفته، من جهة أخرى، أول أمس مجلة “جينس” البريطانية، بشأن وصول آلاف الأطنان الجديدة من الأسلحة النوعية للجماعات الإرهابية مصدرها واشنطن الراعية الثانية لهذه الهدنة..!!.
بهذا المعنى فإن افتتاح “الصناديق” غداً -وبغض النظر عن الملاحظات العديدة والمحقة التي يثيرها السوريون حول المجلس وأدائه، سواء في فترة الأزمة أم خلالها، وهي ملاحظات تستحق كل عناية من السلطات المعنية- هو معركة أيضاً، لكنها معركة من نوع آخر، فهي من جهة أولى، معركة إثبات صمود مؤسسات الدولة واستمرار عجلة العمل في دورانها المعتاد سواء لخدمة مصالح المواطنين اليومية أم لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها المقررة مسبقاً، وهي، من جهة ثانية، “موقعة” يؤكد فيها السوريون ليس انتماءهم الوطني فقط، بل خياراتهم الآنية والمستقبلية أيضاً، بما فيها إصرارهم على مواصلة الحياة في مواجهة التكفير والقتل والإرهاب، وإصرارهم على تكريس الديمقراطية عبر الممارسة والتجربة والتراكم، فلا أحد يولد ديمقراطياً كما يشيع البعض، والديمقراطية لا تأتي بالأمنيات والبيانات المنمّقة، بل بالعمل الدؤوب لأجلها، والقبول بآلياتها ونتائجها، فلا ديمقراطية دون ديمقراطيين، وذلك درس أول لا بد من قراءته جيداً.
وفي هذا الإطار يمكن لنا أن نفهم رفض الانتخابات السورية ممن لا زالت “البيعة” الأسلوب الوحيد لممارسة السلطة لديه، لأن “نظام الانتخابات لا يصلح لبلادنا”، كما “أفتى” أحد أصحاب الجلالة يوماً ما، لكننا لم ولن نفهم ذلك من بعض من تفترض بهم وظيفتهم الأممية تكريسها كأسلوب حياة للسوريين، وبالتالي السعي لإقناع الأطراف الأخرى بضرورة المسارعة إلى اغتنام الفرصة السانحة، والمشاركة في العملية الانتخابية، خاصة وأن هذه الأطراف تدّعي تمثيل الشعب السوري كله، ما يعني أن حظوظهم ساحقة “للوثوب” إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع التي شنفوا آذاننا سابقاً بضرورة احترامها، لكن “هذا البعض الأممي” بدلاً من ذلك بدأ يلمّح، بل كاد يصرّح، بعدم شرعية الانتخابات متجاهلاً أمرين: الأول، أن الشرعية لا تُستمد منه ومن تصريحاته، بل من سياق دستوري داخلي وإجراءات أممية تحوز الدولة السورية على كامل شروطهما، وهي بهذا المعنى دولة كاملة الشرعية في الأمم المتحدة وتتمثل في مختلف مؤسساتها العاملة، والأمر الثاني: إن من يرفض الانتخابات البرلمانية اليوم هو ذاته من رفض الانتخابات الرئاسية منذ عامين، والانتخابات البرلمانية التي سبقتها، والاستفتاء على الدستور عام 2012، وبمعنى آخر، هو من رفض سابقاً ويرفض اليوم وسيرفض غداً أي، وكل، عودة لرأي الشعب السوري في حاضره ومستقبله، مستنيراً برأي سابق للمخابرات الأمريكية التي “جزمت وحذرت، في الآن ذاته، من أن إجراء الانتخابات يعني فوز الخيار الوطني السوري بصورة حاسمة بالرغم من كل الدعم الدولي والغربي الذي يتلقاه الخيار الآخر، ما يعني خسارة صافية لواشنطن وأتباعها”.
وفي المحصلة استحقاق الغد هو معركة في حرب كبرى، ومثل كل المعارك فإن ربحها يتطلب المشاركة الفعّالة فيها أولاً، وجعلها، ثانياً، مفصلية حقاً عبر تقديم أعضاء المجلس الجديد أداء مختلفاً عن السابق، أداء يضع نصب عينيه أن تحصين الجبهة الداخلية عبر مكافحة الفساد وفضح المفسدين والعمل على إدانتهم، وإقرار قوانين عصرية وخلاقة لتحسين حياة المواطن السياسية والاقتصادية، هو أمر يوازي انتصارات الميدان المتتالية، أما ما عدا ذلك فهو مجرد بكاء آخر على “اللبن الديمقراطي” المسكوب.
بقلم: أحمد حسن
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: