أوجعت التفجيرات الإرهابية المدانة في بروكسل كل من شاهدها وتابعها على امتداد العالم، واستقطبت تعاطفاً واضحاً مع ضحاياها، وتفهماً لحالة الرعب التي عاشها البلجيك ومعهم القسط الأكبر من الأوروبيين، بالرغم من أنهم نادراً ما توجعوا لآلام ضحايا الإرهاب، خارج حدودهم، وغالباً ما كانت حالة تعاطفهم – إذا ما حصلت- مؤقتة وعابرة، ولا ترتقي لمستوى ما سببته تلك الأعمال الإرهابية من دمار وخراب وقتل للأبرياء.
أوروبا المجتمعة لنكبتها والمتعاطفة مع ذاتها، كما كان الآخرون معها، أسهبت في إعلان أوجاعها والتعبير عن آلامها، لكنها أظهرت حالة من القصور السياسي الواضح في إدراك دلالة سياساتها والنتائج الكارثية التي قادت إليها، وإن بدت الاعترافات الخجولة لمسؤوليها بنقص إجراءاتها محاولة لتبرئة أيدي ساستها مما نالها من الإرهاب، ولتبييض صفحة قادة لديها كانوا جزءاً من رعاة الإرهاب ومساهمين مباشرين في تفشيه، بل بعضهم متورط عبر أجهزة استخباراته أو من دونها في العلاقة مع تنظيماته وفصائله ومستنسخاته .
فالإرهابيون الذين ضربوا وقتلوا الأبرياء في بلجيكا وقبلها في فرنسا، سبق لهم أن مارسوا إرهابهم وقتلوا الأبرياء في سورية والعراق وليبيا وغيرها كثير في منطقتنا، وبعضهم على الأقل كان يتمتع بغطاء سياسي من ساسة أوروبيين ومن دول فاعلة ومؤثرة، وبعضها أعضاء دائمون في مجلس الأمن، يمارسون أعمال دعم الإرهاب سياسياً وفكرياً.
وجميع أولئك الإرهابيين هم نتاج مشيخات تموّلهم ودول تدعمهم، ولا تزال الدول الأوروبية تفتخر بصداقتها وبتحالفها معها، بل تتباهى بالصفقات التي تعقدها، ولا يتردد البعض منها في منح أوسمة لمن يموّل الإرهاب وينتجه ويساهم في انتشاره، ويعمل ليل نهار.. وفي السر والعلن على نشره حيثما يستطيع، ويعمل على توجيهه وفق مهام وظيفية وأدوار سياسية لم يكن الغرب بعيداً عنها، ولا هو خارج سياق الاستثمار فيها والمتاجرة عبرها بآلام شعوب المنطقة وأوجاع ضحايا ذلك الإرهاب، الذين أبكاهم في بروكسل كما أدماهم في باريس من قبل.
القصور الأوروبي هنا لم يكن تقصيراً ولا نقصاً، بقدر ما كان تعبيراً عن حالة أوروبية مزمنة في السياسة، مارسها ساسة أوروبيون بالغوا في تماهيهم مع رعاة الإرهاب ومموليه ومنتجيه، وأدمنوا ممارسة أدوارهم المشبوهة بدافع من مصالحهم الشخصية التي كانت متقدمة كثيراً على المصلحة الأوروبية وعلى مصالح دولهم، بل كان أيضاً في تعمد سياسي لدول اعترفت أو لم تعترف برعاية الإرهابيين والمتطرفين، ومن ثم قامت بتسهيل خروجهم وإرسالهم إلى سورية، وسجلات بعض من خطط وربما نفذ التفجيرات الإرهابية في فرنسا كما في بلجيكا شاهد على ذلك، وغيرهم كثيرون ممن كانوا في السجون الأوروبية تم الإفراج عنهم ليلتحقوا بالتنظيمات الإرهابية في سورية.
أوروبا التي لا تريد أن تعترف بقصورها وتحاول أن تعزوه إلى تقصير في إجراءاتها، أو إلى نقص في الاحتياطات الأمنية لمواجهة الإرهاب، تمارس سياسة النعامة، وتدفن رأسها خلف مقولات فارغة وشعارات مزيفة، فدعم الإرهاب لا يتلاقى مع مكافحته، ومواجهته لا تستوي بأي حال من الأحوال مع الإبقاء على تحالفها مع رعاته ومموليه ومع منتجيه، والشكوى من العجز لا تشرعن بقاءها صامتة على ممارسات الدول الداعمة للإرهاب والممولة له، حتى لو كانت تحت بند الاعتدال الكاذب أو الحفاظ على تحالفاتها.
حين تشكو أوروبا قصورها لا يعني أنها أدركت أوجه النقص، ولا عرفت أخطاء التقصير، بقدر ما هي محاولة لتبرير عجزها، وافتقاد الساسة الأوروبيين لجيل القادة الفعليين، وغياب القامات السياسية الموثوقة والفاعلة، حيث يتسابقون في تدني نسب شعبيتهم، في حالة غير مسبوقة على النطاق الأوروبي، وربما خطوة يائسة للعودة إلى المربع الأول تحت صفة البحث عن الأسباب أو الدفع نحو نتائج افتراضية خاطئة دفعت شعوبهم ثمنها، مضافاً إليه فاتورة وجود أولئك السياسيين الغارقين في صفقاتهم المشبوهة مع رعاة الإرهاب.
بقلم: علي قاسم
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: