بين إعلان موعد جنيف وحسم قائمة «المتعارضين»، التي لم تنتهِ بعد، ساعات بحث عن التعطيل، وقد حفلت بكل التناقضات إلى حد لا تكاد تقفل على حال حتى يتبدل نحو ما هو أكثر غموضاً وغرابة، في متاهة لا يبدو أن هناك من سيكون قادراً على إقفالها إلا مع فتح القاعات السويسرية، هذا إذا ما قُدّر لها.
وحده السباق على النفي والتأكيد كان المسيطر على تداعيات المشهد، حتى بدت مجرد فصل في مسرحية هزلية، لا تكفي معها كل الوصفات الجاهزة ولا تلك المبتكرة، خصوصاً مع تجدد الاشتراطات والاشتراطات المضادة، وكأن لعبة شد الحبال هي آخر الأوراق المتبقية في جعبة اللاعبين الدوليين، بعد أن فشلوا في مطابقة الزوايا المتعارضة رغم تدويرها المستمر منذ تفاهمات فيينا، التي كادت تغيب وسط المساومات الجارية تحت عناوين متبدلة.
الحكاية لم تنتهِ عند الدخان الأبيض الذي أذن له المبعوث الأممي من جنيف، فيما دخان التشويش والتسويف يلف العواصم والأمكنة التي تجنح لها بيادق الحراك من كل حدب وصوب، لتعيد التصويب بنيرانها على المسار السياسي، وكل بطريقته أو بطريقة من يوجهه ويموله، حيث بات من الصعب الفصل بين الألوان، كما الحال مع المواقف وتداعياتها.
هكذا أنهى المبعوث الأممي يومه الطويل في البحث عن العناوين التي يريد أن يرسل لها دعوات الحضور، ورغم ما في العناوين من وضوح مفترض كانت المهمة عسيرة أكثر مما هو متوقع، وأكثر صعوبة ربما من تحديد الموعد ذاته.. رغم أنه صمد في المخاض الذي سبق الإعلان حتى النهاية إلى أن أبصر النور، ولو كان على آخر رمق، لكنه كما يبدو لم يستطع أن ينجو من الدخول القسري في متاهة الحسابات الإقليمية وسراديب المعادلات الدولية، ولم يتمكن من الوقوف على الحياد الذي تقتضيه مهمته الدولية.
المفارقة أن لغط القبول والرفض لم ينتظر الدعوات ولا موعد المحادثات، ولم يأخذ علماً بما آلت إليه سراديب الدبلوماسية غير المنظورة، التي تحرك تلك البيادق، وتطرح بدائلها حتى من دون أن تعطيها علماً بذلك، بل ذهب «المتعارضون» منذ البداية إلى تشكيل متاريس احتياطية، كانت قد أعلنت عن حضورها على طاولات النقاش السرية والعلنية، ولم تسهم التسريبات المتفاوتة عن تهديدات كيري في تغيير الخريطة الافتراضية لتلك المتاريس.
وحدها حالة الترقب والاجتماعات الماراتونية المتواصلة، وسلسلة التصريحات المتعارضة القادمة من الرياض كانت المشهد الأكثر مدعاة للتساؤل، ولو كان بصيغة المعلوم والمعروف سلفاً، لماذا كل هذه المراوغة مع وفد الرياض، لماذا يُعطى كل هذا الوقت، وعلى حساب مَنْ ولمصلحة مَنْ؟!، والسؤال الآخر: لو كان أي طرف آخر قد تأخر في الرد أو تقاعس أو تحجج، هل كان المبعوث الأممي سيتعامل معه بالطريقة ذاتها ؟!
لسنا بوارد الإجابة، وقد قلنا إنه سؤال العارف والجازم بماهيتها واتجاهها، لكن من باب المقارنة، رغم أنها لا تجوز ولا تصح تحت أي مسمى، ووفق أي معيار كان، حيث الفارق لا تخطئه العين.. ولا تتوه دونه القرائن والأدلة، فالمهادنة تبدو أقرب إلى التماهي مع التعطيل السعودي، وما عدا ذلك لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون، وربما كانت خطوة مسبقة لتفخيخ الجهد الدولي بعد أن عجزت السعودية عن تحقيق الاشتراطات المسبقة التي أسقطتها الدبلوماسية الروسية بالضربة القاضية.
ما يعنينا في المسألة أن الجهد الدولي وبعد أن خطا خطوته الأولى في مسافة الألف ميل نحو جنيف يجب ألا يكون وقفاً على محاولات التعطيل تلك، وهي إذا كانت حاضرة وظاهرة في الخطوات السعودية فإنها مضمرة لدى كثيرين غيرها، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية، والدليل آخر ما ابتدعته معارضة الرياض عن اعتبار المعارضين الآخرين المشاركين مجرد خبراء، في محاولة التفافية على صلب الموضوع، ليكون الاستئثار والاستفراد بالتمثيل من نصيبها من دون غيرها، وهو أحد مقترحات استخباراتية غربية اشتركت فيه أكثر من دولة أوروبية.
الأخطر يأتي عبر تسريبات مسبقة عن المشاركين، تتناوب على طرحها فرنسا وتركيا اللتان تراهنان على آخر خطوط التعطيل الممكنة، والتي وقفت وتقف خلف الكثير من البدع المضافة إلى جدول المعطلين بتنوع أهدافهم وغاياتهم، استباقاً لحالة الحرج التي قد تتسبب بها أي انفراجات تتعلق بالمسار السياسي، حيث الأوراق المستخدمة تسقط تباعاً، لتفضح عوراتهم التي أتخمتها سياسات السنوات الماضية.
بين تهديد تركيا بحضور لم تُدعَ إليه، وحديث فرنسي عما فعله المبعوث الأممي.. والفيتو المستخدم، يقف الصمت السعودي المنسق أميركياً ليضيف إلى جنيف مزيداً من الأحجيات التي تحتاج إلى فك رموزها.. وطلاسم كلماتها، أو في الحد الأدنى انتظار الساعات الفاصلة المتبقية، ريثما تصل كلمة السر الأميركية بالبريد المضمون..!!
بقلم: علي قاسم
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: