لم تكن لائحة الاتهامات السعودية الملفقة لتبرير خطوتها الرعناء في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران قادرة على إثارة ما يكفي من غبار للتغطية على جريمتها النكراء، ولا كافية لتصدير أزماتها أو للهروب إلى الأمام عبر الدفع بالمأزق القائم إلى موقع آخر ومكان آخر.
فالقضية ليست في قطع علاقات من دونها، ولا هي في تحوير هنا أو هناك للوقائع، أو محاولة التغطية على الفشل، بقدر ما تعني رغبة في الذهاب بعيدا نحو إثارة عواصف إضافية من التصعيد السياسي وإيقاظ للفتنة لتكون على مقاس الأوهام التي تحكم أهواء آل سعود، أو وفق احتياجات الضغط النفسي الذي تواجهه نتيجة انسداد الأفق من جهة، وربما الخوف من القادم فتستعجل السعودية تأجيج النار في كل الاتجاهات علها تؤجل بعضاً مما بات حتمياً لبعض الوقت من جهة ثانية.
لن ندخل في جدل الحسابات المتوالية التي تَعُدُّ وراء كل خطوة أو إجراء عشرات من التداعيات التي لا تنتهي، ولسنا بوارد ذلك على الأقل بحكم اللا جدوى من الطرح أو النقاش وفق المنهج السعودي الغائر في مستنقع الخطيئة، حيث الفوارق مجردة من أي إضافات، لا كمية ولا نوعية، وتحكمها في الأغلب زوائد مرضية.
لكن ثمة معايير تفسر جزءاً وتوضح جانباً آخر غير الذي يجري تداوله حتى اللحظة، إذ إن السعودية لم تكن بحاجة للجريمة التي ارتكبتها حتى تثبت قدرتها على ترهيب شبه الجزيرة العربية، ولا لتأكيد إجراميتها التي تفوق حتى التنظيمات الإرهابية، ولا هو انتقام من هذا أو ذاك كما يروج، بقدر ما يعني هدفاً واضحاً تعمل عليه، وهو إيقاظ الفتنة وأن تكون قائدة لها وموجهة لتفاصيلها ومواطن تعميمها.
فالسعودية التي طرحت التحالف العربي في اليمن لم تتمكن من جمع ما يؤهلها لتقود تلك الفتنة التي كانت تنتظرها ولم تحقق لها الشرخ الذي انتظرته، فعملت على إنشاء ما سمته التحالف الإسلامي لشق الصف الإسلامي، ولم يحقق لها ما أرادت ولا ما عملت عليه من سابقة غير معهودة في التحالف على أساس ديني، بعد أن تفاجأت الكثير من الدول بأنها في تحالف طائفي لم يخبرها أحد عنه، ولم يأخذ رأيها، فانفرط عقده قبل أن يبدأ، فكان لا بد من الفتنة عبر الإقدام على جريمة الإعدام الجماعية التي تشكل أيضاً سابقة لم يعرفها العصر الحديث.
وحتى تلك رغم بشاعتها والتنديد العالمي الواسع بها، حتى من الغربيين الذين عجزوا عن الصمت هذه المرة، لم تحقق مرادها فكانت الخطوة التالية التي لا تقل في العرف السياسي عن سابقاتها في كارثيتها عبر قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وإملاء ذلك على بعض الدول التابعة لتشكل شرارة فتنة في المنطقة لا أحد بمقدوره التكهن بنتائجها ولا بمساحة امتدادها.
عند هذا المنعطف يبدو أن حصاد البيدر الذي ينتظره آل سعود جاء مغايراً لحسابات الحقل الذي أنتجت فيه رعونتها وتهورها وحماقتها ما أوصلها إلى ما هي عليه وأضاف إليها ما بات يعرف اليوم بعاصفة من التهور السياسي والعسكري، مصحوباً بجزء كبير من تورمات الوهم الإقليمي بالتوأمة بين التركي و القطري، حيث باتت تقود حملة الفتنة ليس في نطاق جوارها الإقليمي، بل تعمل على زرعها حيثما يستطيع المال السعودي أن ينفذ ، وحيثما يكون بمقدوره أن يعمل شراء وتجارة، لا تتوقف على الحكام المدفوع ثمنهم مسبقاً، ولا على المرتزقة القادمين من أصقاع الأرض، بل أيضاً على المواقف السياسية للكثير من الدول الغربية.
الفارق بين ما قامت به السعودية في الماضي، وما يجري اليوم لا يتوقف على مساحات الانفلات السياسي والعسكري من عقاله المعهود من القبضة الأميركية التي اعتادت تحريكه وفق مقتضيات الحاجة والمصالح والأطماع، بل يمتد ليشمل حدوداً ومساحات ما تعمل عليه السعودية ليكون جزءاً منه لحسابها الخاص، وإن كان في الحالين على حسابها، وكثير من تلك الحروب والصراعات التي أنشأتها كانت تجري لصالح حسابات سعودية خاصة وإن لم تكن خارج دائرة الأطماع الأميركية ولا هي بعيدة عن رغباتها وتمنياتها.
والخطر الداهم ليس في عاصفة الفتنة التي توقظها، ولا في اللعنة التي تحل حيثما اشتعلت وكيفما تحركت، بل في سيناريو ما بعد الفتنة، وما تثيره من زوابع وأعاصير ، وما تفتحه من أبواب على المجهول، حيث حافة الهاوية لم تعد مجرد رسم افتراضي يقترب أو يبتعد وفق التمنيات الأميركية والإسرائيلية، بقدر ما باتت مشهدا مألوفا يفيض على ما حوله من تداعيات لا تكفي معها عبارات التحفظ الغربية ولا قلق بان كي مون لاحتواء ما انسكب من ماء الفتنة.
بقلم: علي قاسم
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).