لم يجد “سلمان الحزم”، كما تدعوه الأدبيات ذات الرائحة النفطية، هدية يقدّمها للعالم الحر في بداية عام التسويات، كما يقولون ونأمل، سوى السعي لإشعال المنطقة عبر عملية الإعدام الجماعي الشهيرة، ولم يجد العالم الديمقراطي والمجتمع الدولي، المسؤول عن السلم العالمي، سوى “الفزع الشديد” الذي عبّر عنه “بان كي مون”، والدعوة للهدوء و”ضبط النفس في رد الفعل” على العملية الإجرامية.
وبعيداً عن استعراضية الحزم والقوة، التي أراد آل سعود إظهارها، فإن قراءة جوهرية للحدث تظهر أن المملكة المأزومة، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، لم تكن قادرة، منطقياً، سوى أن تفعل هذا، فالحروب-التي ساهمت في إشعالها بداية وإذكائها لاحقاً- تشهد حراكاً جدياً للبحث عن تسويات على غير ما تحب وتهوى، والاقتصاد يتداعى تحت وطأة جنون الصراع على السلطة الداخلي وتكاليف الحفاظ على الصورة الخارجية التي تزداد اسوداداً مع ازدياد الأصوات التي تتهمها علناً برعاية الإرهاب وصناعته، وبالتالي لا حل في مواجهة ذلك سوى ما تعرفه وما اختبرته سابقاً.
والحال فإن المملكة، بطبيعتها الثقافية التكفيرية وبنيتها التكوينية الحاكمة من خارج التاريخ المعاصر ومفرزات الحداثة، هي، في الجوهر، مجرد قبيلة تلبّست باستيلائها على السلطة لبوس الدولة ومظاهرها، فيما العنف، الذي لا يمكن أن تنتج سواه، أداتها “السياسية” الناجعة الوحيدة و”الطبيعية” التي تستبطنها حيناً وتعلنها أحياناً أخرى، وهو إنتاج يُستخدم في الداخل، في صراعها الثأري العصابي ضد أبنائها المطالبين بالحرية، ويُصدّر للخارج تحت عنوان “القاعدة” حيناً و”داعش” حيناً آخر، كوسيلة من وسائل الصراع المذهبي الذي تقوده في المنطقة، وهو ما عبّر عنه معارض بحريني بدقة حين قال: “إن آل سعود عبارة عن منظمة إرهابية بغطاء ملكي”.
بهذا المعنى جاءت “هدية” حكام المملكة كرسالة مسبقة في مواجهة مطالب الداخل القادمة لا ريب فيها بعد الفشل الاقتصادي المثبت في موازنة العام الجديد، ومحاولة مفضوحة لإشغال الداخل، والخارج معاً، بالفوضى والصراع المذهبي، وكان لافتاً أن يأتي التوقيت غداة الإعلان عن المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي مع “أردوغان”، المأزوم بدوره والعنيف بتكوينه الشخصي والعقائدي، وبهذا يصبح الإعدام وتجديد الحرب على اليمن والاستمرار في تدميره، وقطع العلاقات مع إيران، ليس رد فعل آني، كما يظن البعض، بل هو ثمرة من ثمار هذا المجلس، وفعل مُخطَط له في سياق وأد التسويات وإشعال الفوضى، ويصبح “الجّرم” الرئيسي الذي تصدّر نصّ حكم الإعدام على “النمر”، وهو “إعلان عدم السّمع والطاعة لولي أمر المسلمين في المملكة، وعدم مبايعته له”، ليس خاصاً بالرجل ذاته، بل بكل من لا يعلن السمع والطاعة لحكام المملكة، وقد رأينا ما يشابهه في محاولة تفرّدها بفرض “وفدها” للمعارضة في حوار فيينا بعد الفشل في فرض “حلّها” على سورية، كما في هوسها المرضي بتشكيل الأحلاف العسكرية، ليس لمحاربة الإرهاب كما تعلن، بل تأكيد على الدور الحاكم لولي أمر المسلمين المزعوم.
بيد أن الأمر لا يقتصر على ذلك، فلهذه “الهدية” وجه آخر ينبع من العلاقة الذيلية بالخارج، فالمملكة، بما ومن تمثّل، هي خير من يؤجج نار “قرن الدماء” والفوضى المذهبية والدينية في المنطقة، وبذلك يتحقق هدف الغرب المتمثل بجعل “إسرائيل” دولة طبيعية في منطقة تختلف شعوبها على السماء وقضاياها، لا على الأرض وقضايا الحقوق السليبة والنهب الأممي المستدام لثرواتها، وبهذا الإطار نفهم الصمت الغربي عن سؤال “روبرت فيسك”: “الإعدامات في السعودية مثل تصرفات تنظيم داعش، فماذا سيفعل الغرب؟”، لأنه لن يفعل شيئاً جدياً.
وبذلك يصبح من الضروري تغيير سؤال “الصنداي تايمز”: “هل سيُغرق الملك سلمان بيت آل سعود؟”، إلى سؤال مفاده: في ظل هذا النفاق الغربي والتغطية الكاملة لجرائم آل سعود، ما الكلفة البشرية والمادية التي سيستمر بدفعها العرب والمسلمون، والعالم أيضاً، في ظل حكم الجنون هذا؟.
بقلم: أحمد حسن
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).