دمشق-سانا
بدت المسلسلات السورية خلال شهر رمضان متشابهة فكريا في أكثر الأحيان فمنها ما طرح الأزمة بأسلوب كوميدي وأخرى بجدي وفق قناعات ومعايير مختلفة تطرقت إلى الفساد بمختلف أنواعه من وجهات نظر متباينة قد تصل إلى الحقيقة وقد تبتعد عنها.
وكانت المسلسلات السورية التي عرضت الأزمة وتداعياتها ألحت عليها كثيرا بطروحاتها وعلى غير العادة إلا أنها لم تتحدث نهائيا عن ظاهرة التسليح ما يبطل كثيرا من الأفكار المطروحة لأنها بقيت وراء الضبابية المجهولة.
وتحدث مسلسل باب الحارة عن وحدة الصف السوري وعن محبة شعبه وأظهر بعض العادات العربية التي يتميز بها شعبنا ولاسيما خلال الرد الذي قالته الفنانة صباح الجزائري أم عصام لضرتها الأجنبية عندما سألتها عن السبب الذي يجعلها تعاملها بهذه الطيبة فأجابت هذه عادات العرب إلا أن الواقع الإخراجي وتسلسل
موضوع الحدث وخاصة في عودة أبي عصام وفي وجود شخصيات جديدة في المسلسل لا لزوم لها وإبطال فعاليات شخصيات اعتاد عليها المتلقي السوري مثل النمس دون مبرر.
كما أن الحركة الفنية بدت مختلفة ومتباينة عند ممثلي باب الحارة من الجيلين الجديد والأجيال التي سبقته وهذا أمر منفر للغاية وإن كان المشاهد السوري أصبح يراقب باب الحارة من باب الفضول ليس إلا نظرا لما يسمعه عنه من دعايات إيجابية وسلبية في حقه بينما تفوق مسلسل القربان من الناحية الفنية على باب الحارة وعلى بعض المسلسلات الأخرى وطرح عددا من القضايا الجوهرية التي تستحق الوقوف عندها وإن كان ثمة تناقض في وسائل الطرح وطغيان العاطفة في بعض الحلقات.
وفي واقع الأمر تفوق أيضا الممثلون الشباب في القربان بحركاتهم وإبداعاتهم التمثيلية واقتربوا من المتلقي ومن الواقع أكثر مما كان عليه أصحاب المجد والشهرة كرشيد عساف مثلا الذي لم يسعفه لون صباغ الشعر ولا محاولته بذل الجهد في اداء بعض الحالات الفنية لافتعال الإثارة والتشويق.
وفي مسلسل القربان تتجلى شخصية رشيد في أدائها العاطفي التي قام بدورها الفنان سامر إسماعيل منافسة بجدارة لشخصية سالم التي يؤديها الفنان رشيد عساف ثم يصاب بطلق ناري على أيدي أشخاص مجهولين يبدون أنهم يريدون النيل من سالم وذلك بطلب من أخيه وهي حالة قربان بعد أن وصل إلى تطور حياتي بسبب أخطاء غيره كما لا يقل دور أخته التي قامت بدورها الفنانة علا باشا عن دوره بالمستوى.
وتأتي بقية القرابين التي قام بأداء دورها أمل عرفة وزميلها بالعمل الفنان شادي مقرش في دور المهندس الذي ترك الوطن بسبب الضغوطات عليه.
وكان الكاتب بارعا في ابتكار الأحداث المثيرة للعاطفة وفق التتابع الزمني المتحرك نفسيا لإنهاء الحدث بشكل إبداعي عبر الموهبة التي فرضت وجودها بدعم مقومات القص والسرد الكامنة بمفاصل المسلسل.
غير أن المسلسل الذي طرح السلبيات الاجتماعية بأسلوب مختلف عن المسلسلات الأخرى وبقضايا أغلبها لم يطرح من قبل فظهرت مؤثراتها في الأزمة لكن سائر هذه المسلسلات في الدورة الرمضانية لم يكن إبداعها إيجابيا سوى الوقوف في وجه الطائفية والتفرقة الاجتماعية وهذا ما يجب أن يكون بديهيا لا داعي لطرحه و للوقوف عنده.
كما لم تطرح المسلسلات السورية الوجه الحقيقي لحملة السلاح والسبل الفنية والاجتماعية والنفسية التي تقضي بنزعه في الوقت الذي يتطلب مثل هذا الأمر عملا جديا في بنية المسلسل الحقيقية نظرا لما يمكن للوسائل المرئية من أثر تفعله وتصل إليه وفي رمضان لا يحتاج المجتمع السوري بمختلف شرائحه وطبقاته إلى مثل هذا الكم الهائل من توصيف حالات الخيانة الأخلاقية بتشعباتها وأنواعها وصنوفها وتقديمها بجماليات شكلية مختلفة ومكياجات آخاذة من شأنها أن تدفع إلى التقليد فقط.
وهذا بدا واضحا من خلال بعض الفنانات في مسلسل خواتم حيث ظهرت الفنانة القديرة مرح جبر بأشكال ومكياجات غريبة إلى جانب شريكتها في البطولة كاريس بشار وإلى جانب الفنان عبد المنعم عمايري الذي حمل نفسه عبئا كبيرا خلال أداء الأدوار فظهر عليه كثير من التصنع ولاسيما في المشاهد التي يؤديها مع زوجته فكانت حركاته خلالها متطابقة ومتشابهة.
وتظهر براعة المخرج السوري الفنية بمعظم المسلسلات وهذا ما لمسناه في القربان وخواتم ولو وأحيانا في باب الحارة إلا أن المخرج السوري واضح أنه راح يرزح ضمن نطاق اجتماعي واحد بعيدا عن البحث والثقافة الإدارية والوظيفية فغالبا ما تكون المراتب الوظيفية مغلوطة في أغلب المسلسلات السورية لأنه حتى الآن بشكل عام يولي المخرج السوري الضابط مرتبة رئيس مخفر وكأنه لم ير دائرة قضائية أو شرطية بحياته لا هو ولا كاتب النص.
ويقتصر معظم المخرجين على البراعة الفنية دون الاهتمام بسلوكيات المعاني وما تذهب إليه فماذا يريد مخرج مسلسل /لو/ من نقل حالة اجتماعية أجنبية وتمثيلها في بيئة عربية تحتاج إلى الكثير من الطروحات حتى تتماسك وتبقى على تاريخها وإن كان أداء الممثلين والترتيب الاجتماعي والإخراجي بارعا إلا أن هناك مفاصل بسيطة قد تقصم ظهر المسلسل إضافة إلى سلبيات استمرار المسلسلات في طرح الخيانات الأسرية بأشكال مختلفة.
وتميزت بقعة ضوء التي اهتمت بالأزمة أكثر من غيرها وفق منظار الواقع من خلال بعض حلقاتها إلا أنها وقعت في ذات المطب دون أن تفصح بشيء عن واقع التسليح في الوقت الذي قدمت فيه ملاحظات أكثر جرأة كتعرض حاجز لحفظ النظام إلى تفجير إرهابي بسبب انشغال عناصره بالأحاديث الجانبية.
ورأى المطرب سمير النوري أن المسلسلات السورية في حالة نشاط برغم كل ما تعرضت إليه وهي في حالة منافسة شريفة فيما بينها إضافة إلى أنها تنافس المسلسلات الأخرى كما أن المسلسلات السورية خلال شهر رمضان أظهرت حالة حب كبيرة للوطن من خلال الأداء التمثيلي السوري وتواجده في وطنه.
وقال النوري إن هناك بعض الملاحظات المأخوذة على عدد من المسلسلات كمسلسل باب الحارة الذي يتطرق إلى البيئة الشامية دون توصيف حقيقي لها فالمرأة الشامية كانت أكثر أهمية مما هي عليه في المسلسل ووجود الشخصيات الجديدة كشخصية أيمن زيدان وسليم صبري التي جاءت باردة لم تتمكن من أداء أي دور مثير عاطفيا في الوقت الذي تميز فيه الفنان زهير رمضان بسبب عفوية أدائه وأهمية دوره ولم يعد هناك أهمية لوجود العكيد ولا لوجود أبي عصام بعدما ألغيا في الأجزاء السابقة وكان من الأفضل الإبقاء على مصطفى الخاني وفايز قزق وبالتالي أصبحت مشاهدة المسلسل متعبة إذا ما قيس بحلقات الأجزاء الماضية.
أما الكاتبة نبوغ أسعد فأوضحت أن الأدباء السوريين انتقوا أحداثا ووقائع لمسلسلاتهم موجودة في الأزمة في سورية فكانت أعمالا جديرة بالمتابعة طالما حاكت معظم الأوجاع التي مر بها
الشعب السوري على مختلف شرائحه لافتة إلى أن الخيانات المطروحة منها الاجتماعية والأخلاقية والسياسية متعددة قد يكون لها أسباب إلا أنها رفضت الخيانة كمبدأ مهما كانت المؤثرات قوية.
وأشارت أسعد إلى أن مسلسل القربان هو أكثر حضورا من غيره نظرا للقوة البنيوية التي سلكها الكاتب رامي كوسا في نسيج شعاب مسلسله والتي سلطت الضوء على كثير من جوانب الفساد وليس بالضرورة أن يكون هذا التصويب دقيقا في بعض الأحيان إلا أن الأداء الأدبي والثقافي ناجح للغاية متسائلة عن سبب تعتيم المسلسلات على شخصيات الإرهاب الحقيقية التي تعتبر أساس الأزمة.
وترى أسعد أن هناك شخصيات إيجابية تفوق السلبية عددا تستحق الوقوف عندها وتمجيدها وبناء قصص مشوقة حول حركتها وتداعياتها البطولية والتي حمت الوطن وهذا تقصير فني وثقافي.
ورأت المترجمة بثينة ابراهيم أن المسلسلات السورية في الدورة الرمضانية راوحت بين المتردي والقليل الجيد وما هو ملفت للغاية وغلب على بعضها الترويج لفكرة الخيانة الزوجية والعلاقات غير الشرعية وإظهارها على أنها ليست عابرة أو طارئة بل إنها من بنية المجتمع السوري خلال ما سردته من أحداث منفلتة اجتماعيا وأخلاقيا وهذا ما يسعى إلى تقويض تماسك الأسرة السورية وبطلان الثقة بين أفرادها من خلال مفاهيم مغلوطة قد تكون موجودة في مجتمعنا وهذا كان واضحا في مسلسلات الخواتم وصرخة روح ولو.
وقالت ابراهيم إن مسلسل باب الحارة كان اجترارا ممجوجا لمغالطات تاريخية وإن أهالي دمشق كانوا يتبعون رؤى الزعيم أو العكيد دون أي حساب معتبرة أن ظاهرة التكرار والإلحاح في صنع باب الحارة بجزئه السادس لن تحميه من الغلط ليتيح لمسلسلات قلم حمرة وبقعة ضوء وضبوا الشناتي أن تكون أكثر تألقا واهتماما بحياة الإنسان السوري وتقدير همومه ومواقفه.
محمد الخضر