بعيداً عن التراشق بالمواقف السياسية التي يرى عبرها كل من المتراشقين الوقائع من زاويته، يبقى علم السياسة هو الحكم الموضوعي لتقييم الظواهر باعتباره علماً وليس «رأياً» أو «موقفاً». وعلى أساس معايير هذا العلم الواقعية والموضوعية أنهت سورية صيف 2014 مرحلتها الانتقالية.
اللغط الواسع والجدل البيزنطي حول الفترة الانتقالية هدفه المماحكة السياسية وتغطية النيّات الحقيقة لكل مهتم بالأزمة السورية، خاصة تلك القوى التي خططت لإنهاء ظاهرة استقلالية في المنطقة اسمها «سورية»..
ولاشك في أن بلدنا ليس «المدينة الفاضلة» ولا الدولة المثالية، بدليل أننا اتجهنا نحو الإصلاح بقوة اعترافاً بالنقائص ولو أن الوضع كان مثالياً لما كانت هناك حاجة للإصلاح.
في خطابه أمام مجلس الشعب في بداية الأزمة أكد الرئيس الأسد أن هناك مطالب شعبية محقة، وفي أكثر من خطاب تحدث عن الأخطاء، ولعله الرئيس العربي الوحيد الذي يتحدث بهذا الشكل.
لكن المسألة تعدت الإصلاح من وجهة نظر علم السياسة ومن وجهة نظر الحدوث الواقعي. تعدت الإصلاح إلى «الانتقال» من نظام سياسي إلى آخر يختلف عنه بنيوياً. إنه انتقال من نظام كان يسمى بالديمقراطية الشعبية إلى نظام ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية المعتمدة عالمياً..
أخذت المرحلة الانتقالية سنتين ونيف. وتضمنت ثلاث درجات. الأولى وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه، والثانية انتخابات مجلس الشعب وفق الدستور وتشكيل حكومة ائتلافية على أساس ائتلاف انتخابي ضم أحزاب الجبهة ومستقلين وحزبيين معارضين، وأخيراً الانتخابات الرئاسية صيف 2014.
ربما كان من الأفضل لو تم هذا الانتقال في بداية التسعينات عندما سقطت نظرية «الديمقراطية الشعبية» على المستوى العالمي، لكن المهم أن الأمر قد تم ولو متأخراً. إن النهج الواقعي في القيادة السياسية أساسه القدرة على التغيير حتى لو كان تغييراً درامياً ونوعياً.
وقد وجهت بعض القوى من المعارضة الوطنية انتقادات إلى أن بعض القوانين والممارسات والآليات لم تتغير وفقاً للدستور الجديد. هذا اعتراض خاضع للنقاش والحوار لأن الدستور سيّد الهيكلية للدولة. لكن علينا جميعاً أن نعترف بأن الانتقال النوعي قد تم حتى لو أن «الجديد» مازالت على وجهه «ندبات» من القديم..
وعلى الرغم من ذلك فقد طرح الرئيس الأسد – انطلاقاً من ثقافة حوارية عميقة – إمكان اتفاق السوريين على دستور معدّل أو جديد. لكن هذا يكون استناداً إلى ميثاق وطني يستفتى عليه الشعب صاحب المرجعية الأولى – والوحيدة – في تقرير مصير البلد وشكل نظامه السياسي..
أغلبية المعارضة – بمن فيها الداخلية – لا ترضى بمرجعية الشعب وإنما تريد مرجعية دولية تفرضها على الشعب، وكأن سورية منطقة وصاية أو انتداب. أربع سنوات ونصف السنة من الحرب أكد المؤكد وهو أن الشعب لا يمكن أن يرضى عن مرجعيته بديلاً..
بقلم: مهدي دخل الله