غاص المراقبون في تفاصيل اتفاق إيران مع الدول الست، الذي هو عملياً اتفاق إيران وأمريكا. وانشغلوا بآثاره وانعكاساته إقليمياً ودولياً وبأهداف كل دولة موقعة ومدى تحقيق هذه الأهداف. لكن هناك شيء آخر مهم وهو النهج الجديد البديل في حل القضايا الدولية.
لأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة يتم تطبيق نهج جديد في حل الإشكالات الدولية الكبرى مقابل النهج السائد منذ الحرب العالمية الثانية وهو «المواجهة» أو الاتفاق استناداً إلى المواجهة.
هكذا كان في أزمة صواريخ كوبا 1961 حيث أنقذ الخط الأحمر بين خروتشوف وكندي العالم من مصير أسود. وتم الاتفاق الشهير، لكن استناداً إلى المواجهة وليس إلى الحوار.
أزمات دولية أخرى عديدة تم «حلّها» على أساس المواجهة ودونما اتفاق. وهذا هو السيناريو الأسوأ بالضرورة، كالمشكلة الفيتنامية ومشكلة الكونغو وعشرات المشاكل الأخرى التي ذهب ضحيتها الآلاف من سكان العالم الثالث.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي صعّدت الولايات المتحدة نهج المواجهة إلى مستوى الاستبداد وحيد القطب في التعامل مع الإشكاليات الدولية، مع التعريف بأن الإشكال الدولي هو كل خلاف يثير مصالح دولة عظمى أو أكثر بشكل مباشر وقوي، طبقت الولايات المتحدة في نهجها بشكل فج ومأساوي في العراق وأفغانستان وانتصرت أمريكا في البلدين حيث حققت أهدافها، خاصة في العراق لأنها قضت على جيشه ودولته وخلفت فيه فتناً عرقية ومذهبية وطائفية وتركته عرضة لأبشع أنواع الإرهاب.
ولم يعد الصمت ممكناً من أولئك الذين يهمهم مصير العالم، ففي كانون الثاني عام 2015 ظهرت بادرة أمل في صياغة نهج جديد لحل المشاكل الدولية.
انعقدت قمة تاريخية- نسيها الإعلام للأسف- بين الرئيسين الأسد وبوتين في موسكو، صدرت عن القمة وثيقة مهمة وتاريخية لا يعود أحد إليها للأسف الوثيقة اسمها «إعلان موسكو» وقد كنت عندها أعمل في وزارة الإعلام وطبعنا منها مئات النسخ بالروسية والعربية والإنكليزية بإخراج مناسب، ووزعناها على المهتمين ووسائل الإعلام في الداخل والخارج.
تضمن إعلان موسكو أحد عشر بنداً منها ثمانية بنود تتعلق بالعلاقات الثنائية وتسعة بنود تركز على صياغة «النظام العالمي الجديد» حيث تضع مبادئ وأسس لنهج حل الإشكالات الدولية وبناء علاقات جديدة، في معارضة خطية واضحة لفلسفة القطب الواحد، ومن أهم هذه المبادئ هو حل المشكلات الدولية بالحوار والطرق السلمية على أساس المنفعة المتبادلة واحترام القانون الدولي، وليس بالمواجهة والحرب كما يفعل منهج القطب الواحد.
يستطيع اليوم من وقع إعلان موسكو أن ينظر بعين الرضى- بغض النظر عن التفاصيل- وهو يرى أولى ثمرات النهج الذي تضمن الإعلان ومبادؤه تتبلور على أرض الواقع الدولي في اتفاق طهران مع العواصم الست.
بقلم: مهدي دخل الله