عودة السياسة أم استمرار الحرب؟-صحيفة البعث

ربما كان تأجيل التوقيع النهائي على الاتفاق النووي بين إيران والغرب لأيام عدة دليلاً على رغبة دفينة عند بعض الغرب، وليس كله، لاستكشاف إمكانية استئناف منطق السياسة وتغليبه على الحرب، وخاصة بعد أن ثبت لهؤلاء، وبالوجه الشرعي، فشل محاولة عكس التطوّر التاريخي الطبيعي، وإيقاف عقارب الساعة عند مرحلة الأحادية القطبية، ما يفترض برجل الدولة، إن وجد، منع تزايد الخسارات وتراكمها، وعلى الأقل امتصاص نتائجها، وعدم تحويلها إلى كارثة مدوية.

لكن التأجيل من ناحية أخرى، يؤكد أن بعض الغرب أيضاً، ما زال يراهن على “لامنطقية” الحرب، بل وأكثر من ذلك، هو لا يرى فيها سوى الأفق الطبيعي للسياسة، بمعنى أن “السياسة لديه امتداد للحرب”، وليس العكس كما قال المفكر الاستراتيجي الألماني “كلازوفيتس”.

وبغض النظر عن الذرائع التي اعتمد عليها كل من أتباع النظريتين السابقتين، إلّا أن الخارطة السياسية الدولية ممتلئة، حتى التخمة، بمن لا يعرف سوى الحرب والعنف حياة ومساراً، وإذا كانت منظمات إرهابية مثل القاعدة، وولديها: “داعش” و”النصرة”، تعلن ذلك وتعيشه عبر اعتناقها فكرة “التوحش”، وتطبيقها الوحشي لها، فإن دولاً عدة تدين بهذا الدين أيضاً، وتاريخ الولايات المتحدة من التأسيس إلى تحوّل سلاحها الجوي إلى قوات جوية لـ “داعش”، يؤكد ذلك، كما أن “القائمة” لا تخلو من دول أخرى، مثل فرنسا التي أصبحت في ظل “حكام الشنطة”، حيث لكل موقف سعر وثمن يفاصل عليه، دولة لا تجد من دور لها، سواء في مجلس الأمن الدولي، أو في مجموعة” الخمسة زائد واحد”، سوى عرقلة المسارات السياسية التفاوضية لمصلحة دوام الحروب والعنف، مغلفة ذلك كله بكلام كبير عن “الدور” و”الرسالة”.

وبالطبع لا يخلو إقليمنا المضطرب من دول مماثلة، مثل “السعودية” التي كشفت “ويكيليكس” أن السياسة لديها شراء ذمم وأتباع، وكشفت أحداث سورية واليمن أن حلفاءها ليسوا سوى “القاعدة”، وكشفت هيئة كبار العلماء فيها أن المملكة بيئة “داعشية” بامتياز، فآخر مآثر “الهيئة” كانت فتوى “صالح الفوزان”، فهو أيضاً عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، بأن “الإسلام لم يحرّم سبي النساء ومن ينادي بتحريم السبي هو جاهل وملحد”، وهي فتوى تنتمي إلى مجال ثقافي وحضاري ينتج ألف ألف “داعش”، ومن الطبيعي، بالتالي، أن يكون أغلب الانتحاريين، في هذا العالم، وآخرهم انتحاري الكويت، من حملة جنسية آل سعود.

وقس على ذلك، فإن اعتبار العنف أفقاً للسياسة، هو من يقف خلف قرصنة “إسرائيل” الجديدة لأسطول الحرية، لأنها “كيان” قام على العنف ولا يعرف غيره سبيلاً للبقاء، وهو أيضاً وراء “لهفة” السلطان التركي لـ “غزوة” جديدة ضد سورية، لأن العنف هو السبيل الوحيد الذي يعرف دروبه ومسالكه، لقطع الطريق على نتائج الفعل السياسي الانتخابي الذي شهدته تركيا مؤخراً.

في ظل هذا كله، تفتح سورية وروسيا، كعادتهما دائماً، مساراً جديداً للسياسة، إيماناً منهما بأن الحرب ليست أفقاً للسياسة وغاية لها، بل إن العكس هو الصحيح، وأنه لا بديل عن الحل السلمي، ولكن من دون أوهام كبيرة، فما دام العدو لا يريد سوى الحرب فعلاً وعملاً، فالسياسة التي ستستأنف، في منظورهما، تعتمد على “التنفيذ الدقيق من اللاعبين الدوليين والإقليميين لأحكام قرارات مجلس الأمن الدولي 2170 – 2178 – 2199، التي تتعلق بتجفيف منابع تمويل الإرهاب ومحاصرة مصادر تمويل تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين”، وهذه مقدمة أساسية، ومشروعة أممياً أيضاً، للحل، لكن هل الآخرون في هذا الوارد؟.

هذا سؤال رئيسي ومفصلي، وحتى يأتي الجواب عليه، فإن صمود الحسكة، والسويداء، وحلب، ودرعا -التي لم تحظ معركتها الأخيرة بحقها الإعلامي الكامل من حيث مفصليتها في نتائج الحرب كلها- وغيرها من الأراضي السورية، هو، ولا شيء غيره، من يرفع حظوظ عودة السياسة، وجلب الجميع إلى منطقها، ومنطقتها، مكرهين.

بقلم: أحمد حسن