حول «رفع المعنويات»-صحيفة تشرين

كانت دائماً تؤرقني فكرة كيف كان شعور الفرنسيين وهم يرون في بداية الحرب العالمية الثانية قوات هتلر في عرض عسكري كبير في شارع الشانزلزيه أمام قوس النصر، وسط عاصمتهم المدللة باريس، وكيف كان شعور الروس وهم يرون مدينة ستاليننغراد (فولغاغراد) تذبح كالنعاج بالسكين النازية…
في تاريخنا السوري أيضاً قصص مماثلة.. إعدام جمال باشا السفاح للوطنيين السوريين في ساحة المرجة، حيث اعتبر السوريون أعواد المشانق زينة لهذه الساحة الدمشقية الخالدة فراحوا ينشدون «زينوا المرجة».

مشهد آخر من هذه المشاهد – وهي كثيرة- حصل عندما قتلت الداعشية الفرنسية بدم بارد حراس البرلمان السوري في 29 أيار 1945 وبعدها قصفت عشوائياً الأحياء المدنية في دمشق، كيف قابل الشعب هذه الهمجية الفرنسية.

رفع معنويات الشعوب الحية ضروري في الأزمات لأنه يؤدي إلى تعزيز الشعور الحماسي وتقوية إرادة المقاومة. لكن رفع المعنويات يكون دائماً بنقل الحقيقة مهما كانت مرة، خاصة أن الحقيقة اليوم من الصعب إخفاؤها أمام هذا السيل الجارف من المعلومات.

المشكلة في أن إخفاء الطعم المر للأحداث حتى لو كان بهدف رفع المعنويات يفقد مصداقية الملقي لدى المتلقي لدرجة أنه لن يصدقه حتى لو قال الحقيقة. والكل يعرف قصة راعي الغنم والذئب المشهورة..

الشعوب الحية – والشعب السوري في مقدمتها- لن تنهار أمام تقدم للإرهابيين هنا أو هناك، بالعكس تماماً سوف يعمل لديها جهاز «البوميرانغ» المعروف في علم النفس السياسي، حيث اشتداد الأزمة لا يؤدي إلى الانهيار وإنما يعطي رد فعل عكسياً مفاده اشتداد إرادة التحدي والمواجهة.

يدهشني من يحاول إقناع الناس – عبثاً- بأننا انتصرنا عام 1948 وانتصرنا عام 1967 وانتصرنا عندما دخل الإرهابيون إلى الرقة وإدلب وغيرها، الحقيقة تقول عكس ذلك، لكن هذه الحقيقة تقول أيضاً: إن سورية – بشعبها وجيشها وقيادتها – تواجه كل مرارة بمزيد من جرع التحدي والاستمرار، ولو لم يكن الأمر كذلك لما صمد هذا البلد صموداً مدهشاً لمدة أربع سنوات في مواجهة أعتى عدوان عرفه التاريخ المعاصر، هو مجال فخر لنا نحن السوريين أمام كل الأمم والشعوب بمن فيهم أشقاؤنا العرب، إن التقييم الموضوعي يؤكد أن هذه المليارات التي صرفت «لإخضاع» سورية نصفها كان يمكن أن يخلق فتنة قاتلة في أكثر المجتمعات سعادة وازدهاراً، سويسرا.

السوريون ليسوا بحاجة إلى فذلكات وحرتقات تتلاعب بالمفاهيم والجمل حتى ولو كان الهدف رفع المعنويات، هذا الشعب لا يرفع معنوياته ولا يعزز حماسته وإرادته إلا الحقيقة، والحقيقة تقول إن الحرب سجال وفيها كر وفر، المهم أمران: الاتجاه العام للأحداث (trend)، ومستوى إيمان الشعب بقضيته واعتزازه بكرامته، الأمران إيجابيان في الحالة السورية، فالاتجاه العام للتطورات الميدانية هو لمصلحة سورية وكذلك التطورات السياسية داخلياً وإقليمياً ودولياًـ أما اعتزاز الشعب باستقلاله فهذا أمر لا جدال فيه.

بقلم: مهدي دخل الله