بيـن سورية ومملكة العتمة.. مقارنة الصمود والخوف-تشرين

ورد في تقرير صدر عن الأمم المتحدة في شهر آذار الماضي أن خسائر الحرب على سورية بلغت (202.6) مليار دولار أميركي، فيما صرفت دول العدوان على تسليح ودعم الجماعات الإرهابية طوال السنوات الماضية نحو (33) مليار دولار، وحتى اليوم لم تستطع «قوات الإرهاب متعددة الجنسية» أن تحقق الهدف الذي وجدت من أجله، بينما تبحث بعض دول العدوان وتحديداً مملكة العتمة، وبفعل نشوة الوهم التي بعثتها فيها ما يسمى «عاصفة الحزم» العدوانية على الشعب اليمني نقل تدخلها العدواني السافر إلى سورية، فماذا يعني هذا؟ ليس للسوري، بل للعربي في كل أنحاء هذا العالم، وكيف ينظر الى هذه الخسائر الهائلة التي تسببت نار الحقد التي أشعلتها مملكة العتمة في هذا البلد العربي الذي رغم شراسة المعركة لا يزال يقف على قدميه، ولا تزال تعده «إسرائيل» يشكل خطراً كبيراً عليها؟ وهذا ليس من عندياتي إنما هو ما نشر في مقالة مطولة في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية في 28 كانون الثاني الماضي؟

إذا كانت إعادة إعمار ألمانيا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية استمرت منذ العام 1945 حتى العام 1993، وإذا كانت الدول الأوروبية احتاجت إلى مشروع مارشال الأميركي لإعادة إعمارها واستمر الأمر أيضاً نحو عقدين من الزمن، فكم تحتاج سورية من سنين لإعادة إعمارها، وتعويض ما خسرته في هذه الحرب المستمرة، أي التي تتفاقم خسائرها يوميا؟ وكيف لدولة خسرت في أربع سنوات كل هذه الخسائر أن تستمر في تأدية واجباتها تجاه شعبها، وتمارس دورها على أكمل وجه، إضافة إلى خوضها معركة يومية مع الجماعات الإرهابية المسلّحة؟

لا شك في أن الحديث في الأرقام يكون جافاً، ولا عاطفة فيه، ولا يثير الحماسة التي يحتاجها المرء في الحروب المصيرية، لكن لننظر إلى هذه المسألة التي لم تطرح بعد للنقاش، أقله من زاوية البحث جدياً في القدرة السورية على الصمود، وماذا يعني أن دولة من هذا النوع لا تزال تشكل هاجساً للدول المعتدية عليها، ولا أعتقد أن السوري الذي يتصدى للعدوان بدمه ولقمة عيشه وثقافته وتاريخه وعلاقاته الاجتماعية واقتصاده، بحاجة إلى شعارات رنانة في هذه المرحلة، لأنه لا شك ينظر بعقلانية أكثر من أي شخص آخر تحت هذه السماء إلى الأمور، وبات اليوم أكثر من أي وقت مضى يدرك أهمية ما بناه طوال العقود الماضية، وكيف جعل ليرته أيضاً سلاحاً يواجه به العدوان، ورغيفه متراساً يصد عنه جحافل المجرمين الذين يدفع بهم تحالف العدوان إلى أرضه، ولماذا بدأت مملكة العتمة ومنذ اليوم الأول للحرب عليه بالسعي إلى عقد الصفقات مع الدول الحليفة له من أجل تخليها عنه وتركه فريسة لعصاباتها كي تحقق ما سعت إليه طوال عقود بطريقة غير مباشرة من خلال مناصرة العدو الصهيوني، وحين عجزت لجأت إلى هذه الجماعات الإرهابية؟

لا شك في أن سورية بعد الخروج من هذا النفق ستحتاج إلى أمرين أساسيين، الأول: إعادة الإعمار، والثاني استرداد ما خسرته، ومراكمة رصيد جديد للنهوض بالتنمية، إضافة إلى العامل الأهم وهو المصالحة الوطنية الشاملة التي هي الأساس في المرحلة المقبلة.

سورية هذه التي تحملت كل هذا خلال السنوات الماضية باتت اليوم أقوى من أي مرحلة، بل إنها ستخرج من الأزمة أقوى بكثير مما كانت عليه قبل عام 2011، لأن التجربة صقلت هذا الشعب وساهمت في إدراكه أنه قادر على صنع المعجزات بمفرده ومن دون مساعدة أحد، لكن السؤال: ماذا ستكون حال دول العدوان، ولاسيما تلك التي لا تملك هذه القدرة الجبارة على الصمود في مواجهة الأزمات، وهي حين اتخذت قراراً بالعدوان على اليمن لجأت إلى دولة تنفق على المجهود الحربي عشرة في المئة مما تنفقه مملكة العتمة، رغم أن عدد السكان في تلك الدولة الآسيوية يفوق عدد سكان المملكة بعشرة أضعاف، وتعداد جيشها أكثر من تعداد جيش المملكة بنحو سبعة أضعاف، وحين رفضت باكستان المشاركة في العدوان جن جنون المسؤولين في مملكة العتمة وفي بعض المشيخات المساندة لها، وفتحت أبواب جهنم الإعلامية على إسلام آباد؟

ليتمعن السوري قليلاً بالواقع الذي عليه اليوم تلك المملكة، وسيعرف كم كان هو قوي الشكيمة والصبر، وكيف أنه بنى دولة قادرة على مواجهة الأزمات، وبخاصة أزمة من نوع الحرب العدوانية عبر جماعات إرهابية تقاتله على أرضه، فمثل شعوب كهذه تقودها دول من هذا النوع تكسر عظام أقدامها ولا تركع.

اليوم، وبعد كل التجربة المريرة لا شك في أن من حق السوري أن يفخر بنفسه وبدولته وبالانتماء لها، لأنه هو من فرض الشعور بالفخر والانتصار.

بقلم الكاتب اللبناني : حسن حسين

انظر ايضاً

مؤتمر صحفي يجمع قائد الإدارة السورية الجديدة السيد أحمد الشرع ورئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني