دمشق-سانا
يقدم الدكتور حسن ابراهيم الأحمد في كتابه الجديد “الأدب والأدبية دراسة نظرية وتطبيقية انشائية التوحيدي أنموذجا” دراسة نقدية تنطلق من التطبيق على نص تراثي غني وفريد مع وضع تحليل نصي يستوعب مفردات أبي حيان التوحيدي الإنشائية.
جاءت الدراسة في بابين الأول هو الأدب والأدبية يركز على مقاربة المصطلحين في النقد الحديث من خلال تتبع دلالتهما ومقاطعتهما بعدد من المصطلحات والعلوم ذات الصلة مقاربا بين المصطلحين في النقد العربي القديم الذي يقوم على قواعد مشابهة لنظيراتها الحديثة وان لم يكن بالاصطلاحات نفسها ولاسيما في تأكيده القيمة الفنية للكلام الأدبي بغض النظر عن جنسه شعر أو نثر سواء كان ذلك في اللغة أم في الصورة.
أما الباب الثاني في كتاب الدكتور الأحمد فكان انموذجا تطبيقيا على نص تراثي قديم ذي أبعاد رمزية غنية في مضامينه ومستويات أدبيته.
ونجد أن الباب الأول توقف عند قضايا موضوعية مثل الذات الإبداعية والصداقة والاغتراب بينما بحث الباب الثاني في مستويات حضور الأدبية في العنوان واللغة والتداخل النصي والإيقاع والصورة سعيا للدلالة على انسجام النص داخليا وتشاكله خارجيا مع نظرة التوحيدي للكون والحياة والانسان والذات ولمقاطعة النص بغيرها وكشف الانتظام والنسقية والخصوصية الأسلوبية التي جعلت التوحيدي واحدا من أعظم كتاب النثر الأدبي في القرن الرابع الهجري إن لم يكن في النثر القديم كله.
وكاملت الدراسة بين النقدين القديم والحديث وعملت على الدخول في نص متعدد القراءات لإيجاد تمثيل حقيقي للمفردات الأدبية.
وتهدف الدراسة عند الدكتور الأحمد إلى تقديم رؤية جامعة تتجاوز بعضا من القلق المنهجي والاجتزاء اللذين رافقا رحلة المصطلحين من جهة وقراءة نص التوحيدي الإنشائي بأدوات جديدة وجديرة بأن تستخدم في مواضيع أخرى.
وسعت الدراسة لعدم الوقوع في التمجيد المطلق للتراث أو التعميم المجحف الذي يلغي أحيانا تاريخا كاملا من الجماليات حيث تصل الدراسة إلى عتبة صياغات جديدة لنص التوحيدي الإنشائي الذي يتجاوز الإشكالية إلى الانسجام والنص الفردي إلى النص الكوني والهم الذاتي للهم الإنساني الناظم الرئيس لقضايا الأدبية ومستوياتها كلها.
وكشف الأحمد في دراسته بأن مفهوم الأدبية هو من أكثر المفاهيم إثارة للجدل واستقطابا للدرس في حقل الدراسات النقدية ما أدى إلى نشوء تيارات واتجاهات كثيرة ذات أدوات حديثة وتقليدية على السواء.
وسعت دراسة الأحمد للتدقيق المفهومي لمصطلح الأدبية وأثره البالغ في تعدد المناهج النقدية واختلافها لافتا إلى أن الأدبية هي في واقع الأمر أدبيات مرتبطة بعوامل اجتماعية وسياسية إلى جانب الفكرة الجمالية أو الفنية السائدة والمهيمنة.
ورأى الأحمد أن مصطلح الأدبية هو واحد من أكثر المصطلحات دخولا في باب اللبس واللغط وسوء الفهم والتقدير لأسباب كثيرة يتصل أولها بالعلاقة بين الأدبية والأفكار السياسية والاجتماعية والبيئية لان الصلة بين الأدب والواقع وثيقة وحميمة وأنه لا يمكن فهم ظهور الأفكار وتطورها وذيوعها وأفولها من دون ربطها بالسياق الاجتماعي والظروف التاريخية.
كما أوضح الأحمد أنه لا توجد نظرية متكاملة صاغتها مدرسة أو منهج بشأن الأدبية إنما أفكار تطورت عبر التاريخ لأن مصطلح الأدبية ليس شيئا منهجيا محددا بل له مشارب متعددة وروافد مختلفة تم الربط فيما بينها فيما يسمى نظرية الأدب.
وتشتغل الدراسة ضمن النواحي المشتركة للأدب القديم والحديث سعيا لتصور توفيق عام يقارب المفهوم إلى الحد الذي يزاوج بين القديم والحديث ولا سيما أن أنموذج الدراسة التطبيقي نص تراثي قديم يحتفظ كثيرا بما مورس من نقد قديم فكان صدى لإشكالية الأدب والنقد القديمين وصورة لعلاقتهما الثرية المشتركة رغم أنه ينزع نزعة حداثية واضحة في بنائه وأنساقه وسياقاته والأدبية ما جعل الدكتور الأحمد يخلص لنتيجة بأن مقاربة الأدبية للأدب تحمل الكثير من الصعوبة نظرا إلى أن القواعد لا تؤسس الأبداع وإنما الإبداع هو الذي يؤسس قواعد قراءته.
وفي الكتاب الصادر عن الهيئة العامة للكتاب والذي يقع في 232 صفحة من القطع الكبير روءى أخرى واستنتاجات ودراسات اشتغل عليها المؤلف والناقد الدكتور حسن الأحمد لإغناء رؤيته من خلال الدراسة التطبيقية على إنشائية التوحيدي.
محمد الخضر