دمشق-سانا
الفنانة المصممة منال سري الدين ترى أن التصميم فن عريق يرتبط بالبيئة وتحولاتها وبالثقافة وما يترتب عليها لذلك على الفنان المصمم أن يبتكر ما يلائم ذوق البيئة التي ستتعامل مع التصميم.
وفي حديث لـ سانا قالت سري الدين لا بد للتصميم من أن يكون فنا أولا والفن بشكل طبيعي يتأثر بالبيئة وتحولات الزمان والمكان فالمصمم واحد من الفنانين الذين يرغبون بأداء حالة يقبلها ناسهم ومجتمعهم وذلك أكثر ما يكون مطلوبا في تصميم اللباس بصفته من أهم مظاهر الأناقة التي يتطلبها الإنسان عبر الزمن والتاريخ.
وأضافت الفنانة إن الظواهر البيئية والفنية الموجودة عند الشعوب كانت قد تركت أثرا عند الفنانين المصممين فانعكست على الألبسة التي صمموها وبدت واضحة في كثير من المظاهر المخترعة والتي تقلد بها الإنسان منذ أن بدأ ينشىء حضاراته وتطوراتها مبينة انه لا يمكن لنا أن نفصل التصميمات الفنية عن بعضها فجميعها من ابتكار الخيال والذهن والذاكرة والموهبة وبالتالي هي نمط إبداعي يعكس حالة نفسية وبيئية واجتماعية فتمثال خفرع مصمم من حجر دواريت صلب وهو بحجم تمثال فرعون وبذلك بدت تلك التماثيل تدخل كرموز بالحالة الاجتماعية بسبب وجودها في البيئة كذلك النسر والأسد والأفعى والحصان ذو القرون و تمثال زيوس زعيم الآلهة الإغريقية ورمز الصقر العظيم كل هذه الأشياء راحت تنطبع بشكل ثقافي في أذهان الفنانين لتنعكس على ابتكاراتهم التصميمية.
وأوضحت سري الدين أنه يوجد رموز نباتية قديمة وهذه الرموز ما زالت مستخدمة حتى عصرنا الحالي وكانت هذه الرموز على جانبي العرش باعتبارها علامات غريبة في الفهم الاجتماعي مثل زهرة البوردي التي تعادل رمز الدلتا وزهرة اللوتس التي تعادل رمز صعيد مصر.
وتابعت إن الفراعنة كانوا يعتقدون أن الأفعى باقية لا تموت تتجدد مع تجديد جلدها فإشارة الأفعى لدى الفراعنة تمثل الحماية وكانوا يضعونها على مداخل المعابد برموز وأشارات ومن هناك انتقلت هذه الغشارات إلى الحضارات الأخرى واعتقد أن إشارة الأفعى التي راحت أشكالها وتصاميمها تتعدد تحمي من الأرواح الشريرة وتبعد السارقين لكن عند الإغريق كان شعار الأفعى يمثل الطب والحكمة.
وقالت سري الدين إنه كان الإله زيوس أكرم الآلهة وهو ابن الرعد وابن نور السماء حسب معتقداتهم ثم انتقلت تلك الرموز إلى العهد الروماني وبعده بدأت تتلاشى مشيرة إلى أن بعض الأمم أضافت إلى الأفعى إشارات أخرى كالحمامة والطاووس والصليب حيث كل رمز يصمم وفق أثره بالحضارات السابقة ثم تتالت المؤثرات والتصاميم إلى أن أصبح الصليب يدل على الكنائس والأديرة فما زلنا نجد على الكنائس القديمة مثل هذه الرموز في المداخل والمخارج وإذا بحثنا في كثير من المعطيات التي وصلت إلينا نجد أن الخرزة الزرقاء عند بعض المعتقدين للحماية من العين الشريرة هو موروث فني ونتاج حضارات قديمة تمتد إلى قرون طويلة.
وتابعت سري الدين إن التصميم راح يتطور في مجالاته المختلفة والمتنوعة والمتعددة ليصل إلى عصور أخرى وتعتبر النساء الأكثر اهتماما به نظرا لاهتمامهن بأناقتهن وحرصهن على الظهور اللائق فبدأ يتشارك الفنانون من الجنسين الرجل والمرأة في ابتكارات وابداعات تدل على ذوق وحضارة البيئة وثقافتها ووعيها وإذا أردنا أن ننظر إلى الألبسة العسكرية التي يلبسها الفرسان التي وصلت إلينا عبر التاريخ نجد أن تصميمها ينم عن ذوق مبتكر يرمي إلى ترك أثر مرعب في نفوس الأعداء وأيضا هيبة في نفوس أبناء المجتمع الذي ينتمي إليه هؤلاء الفرسان وهذا وصل إلى يومنا الذي نعيشه فنجد كيف يأتي تصميم اللباس ملائما لرفع المعنويات والإرادة.
أما على صعيد الفن قالت سري الدين أن المصممين ابتكروا ألبسة ذات معنى خاص للفت نظر الحضور وينسجم مع المعاني المكونة للاغنية أو طبيعة الرقص أو طبيعة العمل المسرحي الذي يراه أفراد المجتمع على خشبة المسرح وهذا ما تجلى في الظواهر الفنية عند أبناء حلب الذين تميزوا بنمط غنائي منفرد يتبع له لباس له نمطه المنفرد أيضا حتى يخيل للمرء مدى تطابق الحركات الإيمائية والفنية واللباس والصوت والمعاني وهذا ينطبق على فناني الجبل أو أولئك الذين ظهروا في عصر معين وفي فترات متقاربة مثل المطربين نصري شمس الدين ووديع الصافي اللذين تميز لباسهما وتصميمهما بشكل يتوافق ويتناسب مع طرائق الغناء وأساليب الأداء.
وبدت التصميمات الأخرى في الألبسة بحسب سري الدين تراعي النزوع الاجتماعي وسلوكه وفق ما يقتنع به المجتمع وعلى اختلاف بيئاته فالجبل له أثره التصميمي والبحر له أثره أيضا والسهل له موءثراته وهذا ما يجعل الفنان يرسم بقلمه ما يتلاءم مع هذه المجتمعات ثم بدأ بعض الفنانين يتأثرون بالغرب أيضا يصممون أزياءهم حسب ما تتأثر به الذاكرة ويرسمه الخيال.
ورأت المصممة والفنانة سري الدين أن التصميم الأن هو فن تشكيلي يشكله الفنان في خياله ثم يكون جماله على سطح ورقة ثم يذهب إلى فن آخر لينقل هذا التصميم على قماش فيظهر كزينة ترصع اللباس أو تجعله لائقا وأخاذا حسب ما يراه مرتديه لذلك لا بد من بقاء التصميم واللباس مرتبطين بالأصالة نظرا لأن الفنان السوري غالبا ما يتمسك بأصالته ولا يمكن أن يتخلى عنها مهما كان السبب فالتصميم حالة فنية قصوى تبدأ بالإبداع وتنتهي بالابتكار.
محمد خالد الخضر-وعد جزدان