بصمات مبدعة… كوليت خوري.. القلادة الأجمل في جيل الأدب السوري الذهبي

دمشق-سانا

إحدى قلائد الجيل الذهبي في الأدب السوري الحديث حبيبة الشعروابنة مدينة الياسمين وحفيدة أمجادها التي احتضنتها ونهلت من إبداعها على مدى سبعين عاماً كتبت خلالها أروع الروايات، ونسجت أجمل القصص والحكايات واستطاعت برواية واحدة أن تلمس أصابعها الشمس مستعيدة ذكريات المستقبل وتاركة في الزوايا حكايا دمشق بيتها الكبير الذي عاشت فيه سنوات حبها وحربها، ناسجة ذكرياتها على هامش رواياتها لتبدو اللغة معها أكثر نبضاً بالحياة وأكثر جرأة، ولتنسج مع الأيام سيرة حياة أديبة وروائية من كبار الأدباء العرب اسمها كوليت خوري.

ولادة كوليت خوري

ولدت كوليت خوري عام 1937 في حي قديم من أحياء العاصمة دمشق، والدها سهيل فارس خوري ووالدتها ليلى كحالة، تنتمي لعائلة ذات إرث سياسي وثقافي ثمين لسورية، وجدها فارس خوري.. كوليت هو اسمها الأول الذي اختاره والدها بسبب حبه وإعجابه الشديد بالكاتبة الفرنسية كوليت التي كانت تعيش مجدها كأديبة في ذلك الوقت، أما خولة فهو الاسم الذي اختاره لها الجد فارس خوري تيمناً بابنة الأزور، ورغبةً منه بوجود فارسة جديدة من عائلته وكانت فارسة الأدب كوليت خوري.

نشأة كوليت خوري

نشأت الفتاة الدمشقية في بيت سوري عريق وضمن أسرة وطنية مشهورة في مجالات السياسة والأدب والصحافة، وفيه انطلقت موهبة الكتابة التي امتلكتها من ذاكرة غنية أثرت من خلالها بالكثير من الإبداعات التي كونت لها شخصية خاصة في الإبداع السوري والعربي، حيث اطلعت على بلاغة اللغة العربية الفصحى.

مراحل طفولتها

عاشت كوليت خوري في ثلاثة بيوت: بيت أهلها وخالها وجدها الذي كان كاتباً وشاعراً ومعروفاً بشاعر الشام في بداية القرن العشرين، ثم أخذته السياسة ليأتي شفيق جبري ويصبح شاعر الشام وهو الذي علمها القراءة وكانت معجبة بشخصيته الوطنية والثقافية التي كان يتمتع بها.

تلقت خوري ذات الشخصية القوية والجريئة تعليمها المبكر في مدرسة للراهبات، التي لديها ذكريات جميلة فيها ودونتها في الكثير من رواياتها وقصصها لتكمل دراستها الثانوية في مدرسة اللاييك، وتذهب إلى بيروت لدراسة الأدب الفرنسي حيث أحبتها واعتبرتها مدينتها كدمشق.

الرجل في حياة كوليت خوري

“الرجل الحقيقي هو الذي يستوعب طموح وأحلام وتطلعات المرأة إلى العطاء في ميدان العمل”، هكذا هو الرجل في مفهوم كوليت خوري الذي كتبت عنه إلى جانب المرأة، والرجل الأول الذي أثر في حياتها أبوها سهيل خوري فوصفته بالرجل سريع البديهية حافظاً للكثير من الشعر صاحب المقالات الجميلة، إضافة إلى كونه كثير الانتقاد لأنه كان يحب الكمال في كل شيء، حيث كانت شديدة التعلق به والإعجاب بشخصيته وتشعر دائماً بتحدٍ في داخلها لتبرهن له بأنها تستحق تقديره واحترامه.

مشوار كوليت خوري الأدبي

صاحبة عبارة “لا أحب الصراخ بحنجرتي فصرخت بأصابعي وأصبحت كاتبة” لتتجول بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والمقالة والمسرح والدراسة التاريخية، ولها أكثر من ثلاثين مؤلفاً في الأدب والتاريخ، كما عملت لفترات متقطعة في الصحافة.

صحيح أنها بدأت مشوارها الأدبي بديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية، لكن حفيدة فارس خوري تمكنت من العربية وعشقتها حتى اقترن اسمها بمرحلة خصبة من تاريخ دمشق الثقافي، وفي كل أعمالها لم تفتقر الروائية السورية إلى الجرأة لتشرع أبواب الحرية أمام الأدب النسائي ولتكتب بكل جرأة عما يجول في داخلها.

أهم رواياتها

نشرت خوري التي تعد واحدة من أهم وأشهر الكاتبات العربيات عام 1957 أولى مقالاتها في العشرين من عمرها بعنوان “عشرون عاماً”، وهي عبارة عن عشرين قصيدة، حيث كانت في المدرسة تكتب شعرا بالفرنسية ووجدانيات بالعربية، وبدأت تنشر في الجامعة بالصحف السورية ولم يخطر ببالها آنذاك أن تنشر كتاباً إلى أن جاء يوماً وقرأ شاب قصيدة من قصائدها التي كتبتها ولم يكن يعرف أنها لكوليت خوري التي تجالسه المكان نفسه، فشعرت بالغيرة آنذاك على كتاباتها وقررت أن تطبع هذه القصائد في كتاب صغير عنونته “عشرون عاماً”.

وعندما قدمت أول كتاب طبعته وفيه قصائدها التي كانت تكتبها باللغة الفرنسية لأبيها أعجبه كثيراً، ولكن انتقدها بقوله: “تصوري لو كان هذا الكتاب بالعربية لكان الأمر أهم وأجمل”، فقررت الشابة المثقفة أن يكون كتابها الثاني باللغة العربية الذي خطته بكل مشاعره وأحاسيسها لتنسج “أيام معه”.

أيام معه

شكلت رواية أيام معه عام 1959 صدمة للعالم العربي حينها، فكانت المرة الأولى التي تكتب فيها امرأة بكل جرأة وواقعية عن الحب والتي تعرضت للكثير من الانتقادات التي طالتها إلا أن كبار الأدباء والنقاد أنصفوها كعباس العقاد وغيره، حيث تعرفت في تلك الفترة إلى الشاعر الكبير نزار قباني لأنه كان شخصاً مقرباً من العائلة فأحبته وأحبها، وكانوا على حافة الارتباط لكن لم يتم ذلك فكتبت هذه الرواية التي جسدت الكثير من الحوادث التي لملمتها من أحداث حقيقية حصلت معها، ونافست من خلالها العديد من الروايات آنذاك.

ليلة واحدة

في عام 1961 عادت للعالم العربي من خلال رواية ليلة واحدة، حيث أجادت خوري في وصف معاناة المرأة المتزوجة عندما يتحول زواجها إلى شراكة تجارية بحتة، تفتقد إلى جميع أشكال العاطفة والرحمة.

ولطالما كانت كوليت خوري صاحبة فكر وطني وسياسي واضح وناضج، فأصدرت عدة قصص وطنية تركت أثراً كبيراً في نفوس السوريين مثل “دمشق بيتي الكبير” و”دعوة إلى القنيطرة” وغيرها، كما نشرت ذكريات جدها المفكر السياسي فارس خوري في كتابين بعنوان أوراق فارس خوري.

ومن أهم وأشهر مقالاتها وقصصها القصيرة “مجموعة قصص امرأة”، “طويلة قصصي القصيرة وصفحات من الذاكرة” و”سلسلة ستلمس أصابعي الشمس”، وهي قصة رمزية نشرت عام 1962″.

المرأة في حياة كوليت خوري

كانت وما زالت مؤمنة إلى الآن بأن المرأة هي المجتمع بأكمله هي النصف عدداً، والنصف الآخر تربية فالمرأة المتحررة بمفهومها هي المسؤولة عن نفسها اقتصادياً، تعرف متى تقول لا في الوقت الذي تقول فيه غير المتحررة نعم وترضخ بشكل سلبي للأشياء من حولها، إضافة إلى أن تكون مثقفة وعلى دراية بما يدور حولها لتستطيع مجابهة واقعها.

حياة خوري الإدارية

جزء من تراثها كان غنياً بمناصب إدارية، ففي عام 1990 انتخبت لمجلس الشعب لدورتين متتاليتين فكانت صوت الناس، حيث كانت تقول: “بقيت أديبة إلى أن دخلت مجلس الشعب”، وإن دخولها كان لتقول للناس هذه الفئة الوطنية موجودة، فرشحت نفسها لمجلس الشعب، وأصبح الناس ينتظرون ما تقوله كوليت خوري لأنها تعبر عن همومهم ومشاكلهم بشخصيتها القوية وجرأتها المعهودة التي لم تستغن عنهما إلى الآن.

ولم تدخل خوري مجلس الشعب كما كانت تقول بهدف الحصول على مكاسب ومناصب، بل لأنها تحب الناس ولتقول ما تشعر به وما يشعرون به، حيث إنها كانت تحب منصبها كأديبة وتعتز به لأنها تحب الكتابة وتريد أن يقرأها الناس ويحبونها وينتقدونها من خلال كتاباتها فقط باعتبار أنها تكتب لهم.

وترى خوري أن الأدب هو الصورة الحقيقية للمجتمع، وهناك فرق بين الثقافة والأدب، فالثقافة هي مجال واسع من مجالات الحياة، أما الأدب فهو مجال فني أكثر منه ثقافي، نحن نعرف أدباء وشعراء غير مثقفين والأدب والفن هما الوجه الحقيقي للبلاد التي نعيش فيها، فالرواية هي التي تظهر مجتمع بلادك كما هو أو كما يجب أن يكون، والأدب هو المرآة التي لا تخطئ ولا تكذب أبداً.

الحائزة جائزة القدس عام 2009 أعطتها أسفارها الكثيرة بعض الملامح عن البلدان التي زارتها سواء العربية أو الأوروبية، إلا أن كل ما كسبته ورأته كانت تخرجه من دمشق باعتبارها دمشقية الهوى والروح، واصفةً إياها بأنها البلد الوحيد بالعالم الذي يدمشق كل من يزوره، وباعتبارها الاسم الذي يستعمل كفعل، ودمشق هي التنوير والحق وبلد الحضارة والأبجدية.

شذى حمود

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency

انظر ايضاً

بصمات مبدعة… الشاعر الكبير سليمان العيسى هدية سورية لأطفال العرب

دمشق-سانا من بين عشرات الشعراء العرب الذين كتبوا للصغار وملأت قصائدهم صفحات كتبهم المدرسية رسخت …