الأردن.. سوء الطالع.. والنية!!-صحيفة الثورة

ربما كان بمقدور المتابع أن يقرأ أبعد مما هو متاح اليوم لو أن الخطوة التي أقدم عليها الأردن جاءت من طرف آخر وظرف آخر، وربما بمقدور التحليلات أن تذهب أبعد مما ذهبت لو أنها غير محكومة بالتاريخ والجغرافيا والسياسة والدور والوظيفة والمهمة، أو لم تكن على مقاس يزيد عن مقاس الأردن طولاً وعرضاً وفي الارتفاع أيضاً.‏

المحسوم عملياً.. أن القرار الأردني بإغلاق معبر نصيب من جانب واحد ليس وليد اللحظة، بدليل ما ورد من أكاذيب مسبقة في «الدستور» الأردنية أمس الأول عن ادعاء بإغلاق المعبر والذي كان بمثابة تمهيد متعمد للخطوة الأردنية صباح أمس، ولتلحق به جملة من التسريبات الإعلامية والأحاديث المعلبة استخباراتياً، حول ما سيجري على المعبر وما يتبعه من تسويق للعمليات الإرهابية التي يمارسها مرتزقة الكنف الملكي.‏

سنستعيض عن كل ما سبق من دلائل وقرائن على المهمة المستحدثة في جدار الدور الوظيفي للأردن، وسنضع جانباً كل ما قيل وما يقال، ونقصر الحديث على ما يروّج له من تفاهمات مسبقة لتحضير مسرح المنطقة لنيران إضافية، كانت قد بشّرت بها التحليلات المتخمة بتسريبات جازمة بالحاجة الأميركية لتوسيع دائرة النار، وأن النار المشتعلة في اليمن لا تكفي من حيث المبدأ على الأقل لتجاوز حالة الاستعصاء.‏

وكان لافتاً أن يكون ذلك بالتزامن مع إدراج الأردن كساحة محتملة قادمة للمواجهة مع داعش، بعد أن غابت عن ساحة التداول، وغاب معها الوعيد الأردني، بما يعنيه ذلك من تحضير ممنهج لساحة معركة، تكون فيها الحماقة الأردنية مساوية في الشكل ومتقدمة على نظيرتها السعودية في المضمون، بحكم ما تحمله من مؤشرات انفجار تكون المنطقة بكاملها ساحة لشراراتها المتنقلة.‏

فالتسخين في جملة الإجراءات الأردنية يأتي تحت بند تجهيز المنصة لعمليات تدركها الأردن أكثر من سواها، وتعرف إحداثياتها واتجاهاتها وخطط التحريك المنتظرة، وقد تم إبلاغها مسبقاً بما هو مطلوب تارة تحت مسمى العمل الاحترازي وتارة تحت حجة الحدّ من تأثيرات ما يجري في الجوار.‏

لسنا بوارد الإسهاب في توصيف ما سبق، بقدر ما تستوقفنا ما تسوقه منابر إعلام البترودولار، التي تلاقت على المقطع ذاته وتطابقت في الاستنتاج عينه، ومن زاوية رؤية مستنسخة طبق الأصل عن تلك التي اعتمدتها وسائل الإعلام الملكي، وكأنها تنطق بلسان الاستخبارات الأميركية، وهي تعمل على ترجمتها بالتزام حرفي مطابق للنص الأصلي المعمم.‏

والفارق بين نص وآخر ينحصر في الإضافات والخلفية والتحليلات الموازية لها، في تعويذة مكرورة بلهجات ولكنات ولغات متعددة، غايتها في نهاية المطاف الترويج لتحول ومنعطف في السياسة والعسكرة، لا يقبل بما مضى ولا يأخذ بالمحظورات التي تبيحها ضرورات تحريك المهمات الوظيفية الأردنية.‏

الأخطر من هذا وذاك أن الرهان لا يقتصر على دور المرتزقة والإرهابيين بقدر ما يلحظ ضرورة الاستعاضة عن حروب الوكالة التي مارستها الدول الوظيفية عبر الإرهاب، بالانخراط المباشر كشرط لازم لا بد منه، وهذا ينسحب على الجميع، وإذا كانت السعودية قد بدأت بالحرب على اليمن فإن الآخرين مطالبون بمباشرتها في موضع آخر وموقع آخر.‏

من سوء حظ الأردن أنه في جوار لا يتيح له هامش حركة واسعاً ليباشر في مغامرته، فحيثما اتجه يجد صعوبة إن لم يكن استحالة، ومن سوء طالع الجغرافيا والتاريخ أنه لم يسبق له أن خاض تجارب مشابهة، وخبراته متواضعة, والتلويح بتوسيع دائرة مهمته الوظيفية.. ليس أكثر من نكتة سمجة..!!‏

لكن هذا لا يعفيه، والقرار الأميركي صدر، وأمر العمليات وصل، لكن هل يعي أن تحركه نحو اللعب بالنار المشتعلة لا يحتمل التجريب وأنه لا يقوى على خوض مغامرة تقود إلى الهاوية، خصوصاً أن الغرق السعودي في أوحال اليمن لا يزال أمام ناظريه رغم الفارق الهائل في كل شيء، ولا نعتقد أنه يحتاج لمن يذكره بما علق حتى اللحظة ..!!‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …