وهم الحزم..!!-صحيفة البعث

وفي اليوم الخامس أصبحت أخبار العدوان السعودي على اليمن عادية، بمعنى أن ما يحصل هناك لم يعد يتجاوز، في الواقع العربي الراهن، كونه مجرد بؤرة عربية أخرى يقوم فيها آل سعود بصورة مباشرة، هذه المرة، بما اعتادوا القيام به، بصورة غير مباشرة في أمكنة أخرى، من مجازر يومية، وجرائم قتل موصوف تستثيرها شهوة الدم عند قاتل يعرف أنه حين يتوقف عن “عمله” فإنه يفقد مبرر وجوده، ليس المعنوي فقط، بل والمادي أيضاً.

بهذا المعنى فإنه إذا كان توقيت العدوان يرتبط بمحاولة التخريب على اتفاق نووي ممكن بين إيران والغرب، تعرف “المملكة” ما يعنيه في البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية، فإن مبدأ العدوان ذاته يرتبط بأسباب أعمق من ذلك، والكشف عنها يستوجب فهم طبيعة التحالف بين الفكر الوهابي التكفيري والعقلية البدوية الماضوية الحاكم فيها، لأن عملية فهم سلوك أي فريق أثناء تحولات تاريخية مفصلية، ونحن نشهد أحدها، غير ممكنة دون معرفة طبيعة هذا الفريق، تكويناً وتوجهاً ومصالح.

وبالتأكيد فإن هذا الفهم سيقودنا إلى رؤية المسكوت عنه في مبررات العدوان المعلنة، حيث الدافع الحقيقي هو استكمال المحاولة المستميتة، والمستمرة منذ زمن “عبد الناصر”، من قبل عاصمة البداوة الفكرية والسياسية للدفاع عن وجودها المادي، ليس عبر تطوير آليات شرعيتها وجعلها متوافقة مع العصر، بل عبر استكمال تدمير عواصم الحضارة في المنطقة باعتبارها النموذج المعاكس والفاضح لها، فبعد إشعال بغداد ودمشق بالقاعدة، وشراء بيروت بالمذهبية، جاء دور صنعاء، وخاصة أن اللاوعي لدى أي حاكم سعودي يستبطن وصية “المؤسس” عن العلاقة الطردية بين سعادة اليمن وتعاسة آل سعود، وهي مقولة تفسر تسخير “آل سعود” مليارات كثيرة، خلال العقود الماضية، لإدامة الفقر والتفتت الاجتماعي والسياسي في اليمن، بدل استثمارها في أي عملية تنموية جدية للجار الفقير.

إذن فإن العدوان الحالي ليس، بالتعريف، سوى ثورة مضادة على ثورة الشعب اليمني ضد الاحتلال السعودي، الفعلي والسياسي، وبالتالي فإنه لن يتوقف، للأسف، حتى لو انتهت موجته الحالية المباشرة قريباً، إلّا بنتيجة من اثنتين، إما زوال الشعب اليمني بأكمله، أو زوال حكم آل سعود، ولا حل ثالث غيرهما.

بذلك، فإن مسألة تعداد أيام العدوان لم تعد مهمة، كما لم يعدّ مهماً نعت المعتدين بأنهم دمى أمريكا وأتباعها، فهم يخوضون، وفق فهمهم القاصر، معركة وجودهم الذاتية، وبهذا نفهم كيف أصبحت عبارة “الأمن القومي العربي”، في ظل قيادتهم للجامعة، مقتصرة على “الأمن الخليجي”، وبالتحديد: أمن “الأسر الحاكمة” فيه، كما يصبح مفهوماً كيف يتحول الأمين العام للجامعة، المصري الجنسية، إلى “قرضاوي” سياسي يفتي كما يشاء ولي أمره الحقيقي، بعد أن أصبحت الجامعة ذاتها مجرد مكتب ثانوي ملحق بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

هي إذاً حقبة البداوة السياسية والفكرية والإعلامية، وهي حقبة صعود “القاعدة” و”داعش”، حيث يقدم لهما الخطاب الطائفي، المعتمد من “المملكة” في إدارة حروبها، الغطاء الشرعي الكامل للاستمرار، حقبة يصبح فيها من المفهوم تصفيق يساريين وقوميين..!! لاستيلاء “القاعدة” على إدلب السورية، وانجرار “حركات مقاومة إسلامية” بعيداً عن فلسطين للاصطفاف في تحالفات مذهبية فاقعة ليس من شأن انتصارها سوى انتصار “يهودية إسرائيل”، حقبة لا خروج منها إلّا بعودة عواصم الحضارة إلى ممارسة دورها النهضوي التنويري، وفي ظل تردد البعض، وابتعاد البعض الآخر عن رؤية “عبد الناصر” لحتمية الصراع الوجودي مع الوهابية السياسية والفكرية، فإن الحمل يقع بأغلبه على أكتاف سورية، التي هي، بحسب السيناتور الأمريكي “ريتشارد بلاك”، “مركز الجاذبية ونقطة الاشتباك بين العالم المتحضر والمتطرفين”، وهي كانت كذلك منذ بداية تاريخ الحضارة وليس من الآن فقط، لذلك فإن انتصارها، وهو قادم، انتصار للحضارة أولاً وقبل أي شيء آخر، وبداية خروج عربي جامع من عواصف الحقد وأوهام “الحزم” القاتلة.

بقلم: أحمد حسن

انظر ايضاً

خارج السياق الإنساني.. داخل سياق الغابة.. بقلم: أحمد حسن

بالتأكيد لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق خارج السياق الحالي، كما “يحلّل” البعض، بل …