دمشق-سانا
عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها على تقديم نفسها للعالم كنموذج للديمقراطية وللمؤسسات الدستورية والحريات المدنية وحاولت لعقود نشر ديمقراطية على طريقتها وفشلت فشلاً ذريعاً تجسد بانتشار العنف والقتل في ولاياتها وتزايد الصراعات بين القادة السياسيين فيها لدرجة دفعت الخبراء ومراكز الدراسات إلى توقع نشوب حرب أهلية تهدد مستقبلها.
“الولايات المتحدة قد تكون على شفا حرب أهلية” عنوان كبير تصدر صحيفة الغارديان البريطانية منذ أيام التي حذرت من أن تنامي انعدام الثقة في المؤسسات السياسية الأمريكية يشير إلى أن البلاد قد تكون على شفا صراع داخلي جديد.
وفي هذا السياق قال مؤسس مركز أبحاث كاليفورنيا لدراسة عنف السلاح الدكتور غارين وينتموت في حديث للغارديان “إن التحذيرات بشأن الحرب الأهلية الوشيكة في أمريكا كانت مجرد تكهنات غير أن استطلاع رأي أجراه المركز في تموز الماضي أظهر نتائج مذهلة حيث اتضح أن نصف الأمريكيين يتوقعون حرباً أهلية في السنوات القليلة المقبلة وأن واحداً من كل خمسة منهم يعتقد أن العنف السياسي له ما يبرره في بعض الظروف”.
وعزا وينتموت تصاعد التهديدات العنيفة وتفاقمها إلى نمو مبيعات الأسلحة حيث قال: “ماذا يحدث عندما تأخذ مجتمعا يخشى أكثر فأكثر على مستقبله، وأكثر وأكثر استقطاباً، وغاضباً أكثر فأكثر على نفسه، وتلقي بمجموعة من الأسلحة بين يديه”.
بدورها لفتت اختصاصية الصراع المدني راشيل كلاينفيلد إلى أن النظام السياسي في أمريكا لا يضمن عدم حدوث صراع عنيف في البلاد موضحة أن ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين أمريكي على استعداد لإيذاء غيرهم من الأمريكيين الآخرين بسبب معتقداتهم السياسية ما يشير إلى أن شعب الولايات المتحدة يشعر بخيبة أمل كبيرة من ديمقراطيته ولا يعتقد أنها تعمل وفقاً لصحيفة الغارديان.
وعلى ما يبدو أن واشنطن التي اعتادت على تصدير الديمقراطية كجزء أساسي من علامتها التجارية باتت اليوم بحاجة لأن تقنع الأمريكيين أنفسهم بتلك الديمقراطية وذلك بعد تعرية وكشفه زيف ديمقراطيتها من خلال غطرستها وأخطائها وعيوبها والتاريخ السيء في استخدام هذه الديمقراطية المزعومة كعقاب ضد الحكومات التي لا تنتهج نهجها واستعمالها للتدخل في شؤون الآخرين واستغلال مصطلحاتها ومفاهيمها المزعومة للإرهاب والمعارضة وحقوق الإنسان وتوزيع تصنيفاتها للدول والشعوب حسب هواها وبما يخدم مصالحها.
وكشف استطلاع جديد للرأي اجرته شبكة ان بي سي الإخبارية الأمريكية أن 74 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون ان الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الخاطئ حيث أعرب أكثر من 58 بالمئة من الناخبين الأمريكيين عن قلقهم البالغ إزاء ما يجرى في بلدهم فيما أكد 61 بالمئة منهم عدم رضاهم عن المسار الذى تتجه فيه بلدهم مؤكدين استعدادهم للخروج في احتجاجات للمطالبة بتحسين أوضاعهم.
وحول ما أوردته مجلة فورين أفيرز الأمريكية من تصاعد حدة التوترات بين القادة السياسيين في الولايات المتحدة ودخول الحزبين الأكبر فيها “الديمقراطي والجمهوري” في صراع كبير وعلني وقيام كل منهما برد فعل مضاد أكبر من الآخر يتجاوز حدود الدستور في بعض الأحيان، تنبأ الباحث الكندي هومر ديكسون من معهد كاسكيد بجامعة رويال رودز بانهيار الديمقراطية الأمريكية وبمخاطر حرب أهلية بحلول عام 2030 بسبب انتشار الخطاب اليميني الشعبوي.
أما البروفسور البريطاني بول كيندي صاحب كتاب “صعود وأفول القوى العظمى” الذي حدد مجموعة من الأسباب لأفول الإمبراطوريات وأبرزها التمدد العسكري الذي يتجاوز القدرات الاقتصادية وانفجار الصراعات الداخلية وظهور قوى عظمى منافسة رأى أن كل هذه الشروط تنطبق على الولايات المتحدة وخصوصاً ما يتعلق بالانقسامات الداخلية ونذر الحرب الأهلية ومنافسة الصين وروسيا لها الأمر الذي تجسد فيما يحدث من تطورات في أوكرانيا وتايوان مؤخراً.
وفيما تزداد المؤشرات التي تنبئ بأن أمريكا تواجه تحدياً مصيرياً ولاسيما مع بروز نزعات انفصالية من بعض الولايات لا تزال واشنطن تخدع نفسها والآخرين وما زالت واقعة في مطب تصديق مفهومها الكاذب والمخادع للديمقراطية.
ميرفت سعيد