يستكمل أردوغان حلقة عدوانه وسط مزيج من الخلط السياسي والديماغوجي في العلاقة القائمة مع الغرب وتجاذباتها الحادة التي ينظر إليها من بوابة الجنوح نحو تحقيق خطوات تكتيكية، تضعه على عتبة الابتزاز والمساومة في أي صفقات سياسية يتوهم أنها باتت جاهزة، أو قاب قوسين، وأنه سيكون جزءاً منها.
على هذه القاعدة يمارس عدوانيته على الأرض السورية ولو كانت الذريعة مرة أخرى شاه سليمان، في وقت يدرك الجميع أن ما تقوم به حكومة أردوغان يتعارض مع أبسط قواعد القانون الدولي، وتتوافر فيه كامل أركان العدوان الموصوف.
المفارقة أن أردوغان يراهن على الصوت العالي في انتقاد واشنطن وتحالفها، ويمارس سياسة دجل في توجيه أصابع الاتهام للغرب بصيغة تدعو للتساؤل ومن دون أن يكون سؤالا بريئا، هل حارب أردوغان داعش حتى ينتقد الغرب، بل السؤال الأكثر إلحاحاً هل أوقف تعاونه مع داعش ومشتقاتها، هل كف عن ممارسة الدعم والاحتضان، والسؤال الآخر هل من يدربهم في معسكراته يختلفون عن داعش؟؟ ألم يمارسوا عمليات الذبح والقتل بطريقة مستنسخة لما فعله ويفعله داعش، وفيهم من تفوق عليه في إجرامه؟!
بالتأكيد لا أحد ينتظر الإجابة ولا أحد يعوّل على إجابة غير معروفة، وسط كم لا ينتهي من التداعيات التي تدفع إلى الواجهة جملة من القرائن والأدلة على تورط حكومة العدالة والتنمية في دعم الإرهاب، وعلى التورط الشخصي لكل من الرئيس التركي ورئيس حكومته في ذلك وعلى رؤوس الأشهاد، في علاقة جدلية ومتلازمة بين الدور الوظيفي الشخصي والاعتباري على حد سواء.
وإذا كانت المعادلة الممسوخة والمنعزلة عن سياقها الوجودي والتاريخي التي يريد أن يرسخها أردوغان تنطلق من اعتماد الذاكرة القصيرة أو محاولة مسح ذاكرة المنطقة، فإن النبش في التاريخ لا بد أن يترافق بنبش في الذاكرة بكل ما ينطوي عليه من مجسات إضافية تفتح الباب على حقائق غائبة أو مغيبة، وأن التعامل مع الحوادث والتواريخ من منطلق الموقف المستجد أو المستحدث والذي اقتضته ظروف أو معطيات آنية، بات قربة مثقوبة لا يُجدي النفخ فيها.
ما يدفع إلى الجزم بأن عدوانية أردوغان وصلت إلى ذروتها مع تلك المحميات السياسية في المنطقة التي تغرف اليوم على فتات ما راكمته حالات الخراب والدمار، على خلفية ما يستجد من معطيات برزت إلى العلن بصيغ فاضحة تعيد تركيب المشاهد بعناوينها وتفاصيلها وفق تراتبية حضورها الزمني، حيث الحاضر لا يعطي براءة للماضي، كما أن الماضي لا يستطيع أن يتجرد من تداعيات الحاضر، وفي كلا الحالين ثمة أصابع تركية أوغلت في الدم السوري أصالة ووكالة، وثمة مسؤولية شخصية مباشرة لأردوغان وزمرته.
في المعيار الواقعي لن تفيد أردوغان محاولة تبرئة متأخرة، ولن تنفعه عربدة عدوان موصوف إضافية، حيث الوقائع والمعطيات تؤكد أن العدوان لن يمر وليس بمقدوره أن يمر، وسط حالة من التشابك بين معطيات الفشل في إعادة تعويم العدوان، وبين وقائع العجز لدى المشروع الغربي في اعتماد أجندات عمل بديلة قادرة على التعويض.
بين أحلام السلطنة التي يريد نفض غبار قبورها للتغطية على شهوانية عدوانية ، وبين دور وظيفي يفلت من بين أصابعه.. يداور أردوغان في الزوايا التي تقود إلى الهاوية، سواء بلعبة الإرهاب ونارها التي تحرق أصابعه، أم من خلال أحلام سلطنة باتت تقض مضجع أحلامه، في دور يقبل فيه أن يكون بيدقاً متحركاً وأداة تنفذ ما هو مطلوب، لكنه يتلمس في الوقت ذاته أوجه العجز التي تدفع به نحو الحماقة الموصوفة ولو كانت تمهيداً مفضوحاً للحديث الغربي والأميركي عن أجندات العدوان بعناوينها القادمة..!!
بقلم: علي قاسم