إذا كانت مشاهد المجازر التي سوقها الغرب في مدينة بوتشا الأوكرانية- التي نفت موسكو ارتكابها – كفيلة بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، ماذا ينبغي أن تكون عقوبة المجازر المثبتة التي ارتكبتها القوات الأمريكية ضد المدنيين في الرقة والعراق باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً؟
رغم أن قتل المدنيين واحد وحقوق الإنسان لاتتجزأ، لكن يبدو أننا في العرف الغربي أمام نوعين من القتل: قتل (أبيض رحيم) تقدمه واشنطن للشعوب على شكل فوسفور أبيض يقضي على الآلاف منهم ويتعهد بأجيال مشوّهة خلقياً، وقتل (أسود مجرم) يمكن أن تتسبب به أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة والغرب الاستعماري، قتلٌ يحرك ضمير المنظمات الدولية والدول الغربية بالإدانة والعقوبات وغيرها.
جريمة القتل واحدة سواء حصلت في سورية واليمن والعراق، أو في أوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة صاحبة أكبر سجل إجرامي في التاريخ ماضياً وحاضراً، من هيروشيما وفييتنام وأفغانستان إلى الصومال والعراق وسورية والقائمة تطول جداً، تنصّب نفسها شرطي الأخلاق والدفاع عن حقوق الإنسان وحمايته، وتحاكم هذه الدولة أو تلك بقوة هيمنتها وسطوتها على العالم والمنظمات الدولية، ولا بأس من إعطاء دور لبريطانيا وفرنسا، شريكتيها في الاستعمار وجرائم القتل بحق شعوب العالم.
إن سرعة التحرك الغربي ضد روسيا في الجمعية العامة لتعليق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان، تشي بأن واشنطن تريد استباق نتائج أي تحقيق محايد في القضية، لأنه سيكشف زيف ادعاءاتها ويفقدها ورقة ضغط تستخدمها ضد موسكو، وهي تذكرنا بمسرحيات الكيماوي التي كانت تمثلها المجموعات الإرهابية في سورية وتتلقفها الدول الغربية وتسرع بها إلى مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان لتمرير إدانات ومزيدٍ من التحريض ضد سورية وجيشها.
فقد أكدت موسكو بلسان المتحدثة باسم الخارجية أن كل القصص التي تدور حول مدينة بوتشا والاستفزاز الإجرامي الذي حدث هناك “يتجاوز كل الحدود، لأنه تم عن قصد” وفقاً لخطة مسبقة، وهو عمل إجرامي، لم ينفذه فقط أولئك الذين قتلوا السكان، بل وكذلك المشرفون الغربيون باستخدام أدواتهم الإعلامية”، إذ لا يمكن فصلها عن الدعم الإعلامي المقدم من قبل آلة الإعلام الأمريكية والغربية للكتائب النازية.
العالم يدرك تماماً حقيقة ارتكاب الجيش الأمريكي جرائم حرب وإبادة جماعية بحق المدنيين خلال غزو العراق باستخدامه الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، ويعلم أن واشنطن كررت جرائمها في مدينة الرقة التي سوتها عمليات القصف الأمريكي بالأرض باستخدام الأسلحة نفسها، لكن لم تتحرك الدول الغربية ومعها مجلس حقوق الإنسان، ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الجريمة وتعليق عضوية واشنطن في المنظمات الدولية، بل عمل الغرب الاستعماري على إسكات أي صوت يطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين، كما يفعل منذ سبعة عقود ونيف في تبرير جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والتغطية عليها.
إلى من يحاضرون في حقوق الإنسان والأخلاق.. يستحق منكم الشعب اليمني نظرة واحدة وهو يذبح ويقتل بصواريخ الغرب الذكية، ويحتاج الشعب الفلسطيني منكم نبضة وجدان حقيقية، كما يستحقها الشعب السوري الذي تحاصره واشنطن في لقمة عيشه وتسرق قمحه ونفطه، كل هؤلاء يحتاجون وقفة ضمير حقيقية وضمير إنساني بعيد عن التسييس والاستثمار في دماء الأبرياء.. وعندما تفعلون ذلك يمكن أن نقبل الاستماع إلى محاضراتكم على منابر الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
لن ينفع واشنطن فتحها تحقيقات وهمية في جرائم جيشها، فالقاتل لا يمكن أن يكون محققاً وقاضياً في الوقت نفسه، ومحاولاتها طمس جرائمها ضد السوريين والعراقيين لن تمر بتحقيق لمؤسسة “راند” الأمريكية. فما يحتاجه العالم اليوم ضمير إنساني حقيقي يجرّم واشنطن ويحاكم مسؤوليها عن جرائمها في الرقة والتي راح ضحيتها الآلاف، ضمير أممي يصحو من سيطرة واشنطن، ويبدأ محاسبتها على جرائمها التي ستكون لها تداعيات طويلة على الأجيال القادمة نتيجة استخدام الأسلحة المحرمة دولياً.