دخول القوات التركية للأراضي السورية دليل مأزق وليس دليل قوة -بقلم عليان عليان

في الثاني والعشرين من شباط الماضي وتحت جنح الظلام دخل ما يزيد على 700 جندي تركي على ظهر مئة آلية من بينها 37 دبابة تدعمها طائرات من دون طيار للأراضي السورية، في منطقة منبج بمحافظة الرقة الخاضعة لاحتلال تنظيم داعش الإرهابي، بذريعة نقل رفات سلمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية ولإجلاء جنود أتراك يحرسون الضريح.

واللافت للنظر التغطية السياسية بلكنة استعمارية، التي قدمها أردوغان لهذا الدخول غير الشرعي للأراضي السورية بقوله: «إن ضريح سليمان شاه، الذي تغير مكانه مرتين قبل ذلك يؤكد أننا سنستمر في إحياء ذكريات أجدادنا، وفي رفع علم تركيا، في المكان الجديد الذي سينقل إليه بموجب الاتفاقات الدولية»، في إشارة للاتفاقية الاستعمارية المبرمة بين الانتداب الفرنسي على سورية وبين الحكومة التركية عام 1921.

هذا الدخول غير الشرعي للأراضي السورية كان بمنزلة حركة استعراضية أقدمت حكومة رجب طيب أردوغان على ارتكابها، وهي خطوة أقل ما يقال فيها إنها خطوة استعمارية، تتماهى تماما مع ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فكلتا الحكومتين «التركية والإسرائيلية» تشتركان في قواسم مشتركة عديدة، منها أنهما تنتميان للعقيدة السياسية والعسكرية ذاتها للحلف الاستعماري الأطلسي «الناتو» هذا أولاً، وثانياً أنهما تمثلان إمبريالية فرعية قزمية للإمبريالية الأمريكية المركزية.

وفي تقديري أن هذا العدوان التركي الأردوغاني ينطوي على استهداف خطير من زاوية أنه لا يشكل انتهاكاً للسيادة السورية فحسب، بل «بروفة» لعدوان تركي أطلسي مباشر «ومحتمل» على شمال سورية، لإنجاز المنطقة العازلة في شمال سورية التي تتوق تركيا أردوغان لإنجازها، في إطار أطماع احتلالية لحلب الشهباء ولتكون قاعدة لوجستية لدعم قطعان الإرهابيين في سورية.

والذي يدفعنا لهذا الاستنتاج هو تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو بأن حكومته وضعت التحالف الأمريكي المزعوم لمحاربة الإرهاب بصورة دخول الأراضي السورية في إطار تنسيق مسبق معه هذا أولاً، وثانياً أن هذا الدخول للأراضي السورية جاء بعد أيام من توقيع اتفاق أمريكي مع تركيا يقضي بأن تقوم تركيا بتدريب وتسليح 3000 مقاتل وسط تركيا، توطئة لإدخالهم سورية بغية محاربة مزعومة لداعش.

ما يجب الإشارة إليه بأن هذه الخطوة التركية هي خطوة بائسة ويائسة، لن تغير من حقائق الواقع الميداني الذي فرضه الجيش العربي السوري على الأرض وفي ميدان المواجهة، وأنها جاءت في سياق متغيرات أساسية قضّت مضاجع تركيا ومن يقف وراءها، وجعلتها تتخبط غير مدركة لحقيقة أن أحلام المنطقة العازلة وغيرها باتت وراء ظهر سورية العروبة، وأبرز هذه المتغيرات:

أولاً: الهجوم الاستراتيجي للجيش العربي السوري في جبهة الجنوب الذي أفشل مخطط الهجوم على دمشق، الذي كان يجري التخطيط له في غرفة العمليات في الجوار الإقليمي بقيادتها الأمريكية، وغيّر قواعد الاشتباك المعمول بها في جبهة الجولان، ناهيك بأن اجتثاث المنطقة العازلة التي أقامها الكيان الصهيوني قرب خط الهدنة بالتنسيق مع جبهة النصرة الإرهابية بات مسألة أيام في إطار الخطة المحكمة التي ينفذها الجيش السوري.

ثانياً: إن الجيش العربي السوري قلب الموازين في جبهة الشمال عبر تحريره المتوالي للبلدات والقرى في ريف حلب الشمالي، ووصول طلائعه إلى مدينتي نبل والزهراء البطلتين والمحاصرتين منذ سنتين.

والتطور الأهم -الذي قضَّ مضاجع أردوغان- أن الجيش العربي السوري بات على وشك إكمال الحصار على مدينة حلب، ما يقطع الطريق على إمكانية تواصل تركيا مع مجاميع الإرهاب في المدينة، ما دفع بأردوغان إلى حركة يائسة بإدخاله بعض الضباط الأتراك للمدينة لمساعدة الإرهابيين ورفع معنوياتهم المنهارة.

ثالثاً: إن القيادة السورية برهنت أنها قادرة على فتح جبهتين في وقت واحد بحيث يخوض الجيش العربي السوري معاركه في كلتا الجبهتين بقوة واقتدار.

رابعاً: إن أطراف حلف المقاومة بات في صلب المواجهة مع أطراف المؤامرة على سورية، وإن كانت مشاركتها حتى اللحظة بشكل رمزي ومحدود إلى جانب الجيش العربي السوري، وما عاد بوسع أطراف المؤامرة الحديث عن تدخل إيراني أو لحزب الله لمصلحة النظام العروبي في سورية، بعد أن اعترفت الإدارة الأمريكية نفسها عن تدفق غير مسبوق مؤخراً لما سمتهم «المقاتلين الأجانب» إلى سورية، مقدِّرة عددهم بعشرين ألفاً، قدموا من تسعين بلداً.

خامساً: إن أطراف حلف المؤامرة على سورية أسقط في أيديها بعد تقرير مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية «دي ميستورا»، بشأن خطته لتجميد العنف في مدينة حلب والذي قدمه لمجلس الأمن مؤخراً، ذلك التقرير الذي خيّب آمال الإدارة الأمريكية وحلفاءها، لأنه أكد على دور النظام السوري الأساسي في حل الأزمة السياسية وعلى دور الجيش السوري الأساسي في مكافحة الإرهاب، ناهيك بأن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد وضع ثلاثة محددات لقبوله بمبادرة دي ميستورا وهي الحفاظ على حياة المواطنين، والحفاظ على مؤسسات الدولة والنظام، والضغط على كل الدول لتطبيق قراري مجلس الأمن 2170 و 2178 لوقف تمويل وتدفق الإرهابيين إلى سورية.

هذه المتغيرات أربكت حكومة أردوغان «الحليف المركزي لداعش» ومن ورائها الإدارة الأمريكية، وبالتالي فإن خطوة دخول قوات تركية للأراضي السورية مدة ساعات، وقبلها خطوة إبرام اتفاق تركي أمريكي لتدريب مقاتلين (معارضين -إرهابيين) على أراضيها، تشكلان معاً قفزة مرتبكة لن يكون لها أي مخرجات ولاسيما أنهما «تركيا والإدارة الأمريكية» تدركان جيداً أن حلفاء سورية لن يقفوا مكتوفي الأيدي في مواجهة أي عدوان عسكري مباشر من قبل تركيا وحلفائها.

صحيفة تشرين