الشريط الإخباري

في حضرة الميدان-صحيفة الثورة

يعود الميدان ليفرض إحداثياته من جديد، في وقت تُسجل فيه المواقف السياسية ارتباطاً أكثر توافقاً مع مجرياته، وأحياناً أشد تطابقاً من تفاصيله، وتعود لضبط إيقاعها وفقا لمعطياته، رغم ما يثار من تقولات وما يجري العمل عليه من نمط التسريبات المكرورة حيناً والمتناغمة مع تمنيات وأضغاث أحلام فلول المرتزقة أغلب الأحيان.‏

فما يجري في الجنوب، وعلى امتداد الأرض السورية ليس مجرد تطور في سياق العمليات الجارية على أهمية ذلك واستثنائيته، بقدر ما يعكس واقعاً فعلياً لا بد من التعاطي معه على قاعدة ما يرسيه من معادلات إضافية في المشهد القائم، على خلفية ما سبقه من ترويج متعمد لتقولات، وأحياناً لفبركات عن الحسابات الجديدة، بحكم أنها نتاج فعل متواتر عن إعادة تقييم ما تطرحه المشاريع الأميركية، وما تضيفه من تغييرات تكتيكية في الميدان، سواء ما جاء منها تحت عنوان تدريب مرتزقة «المعارضة المعتدلة»، أم تلك التي يجري العمل عليها في سياق إعادة ترتيب الأدوات وأدوارها ومهامها الوظيفية والآنية.‏

اللافت على مستويات مختلفة ما تم تداوله من معلومات عن حالة الاستنفار لدى المرتزقة والمشغلين على حد سواء، والذي اضطر غرفة العمليات المشتركة إلى استدعاء قادة المرتزقة على عجل، في مذكرة جلب تنمّ عن الحالة المزرية التي وصلت إليها أوضاع التنظيمات الإرهابية، وما تعكسه من ارتباك في صفوف المشغلين سياسياً وميدانياً، حيث تشير المعطيات المتوافرة إلى أن إسرائيل وأميركا وجهت رسالة تهديد واضحة وصريحة بأن بقاء الفشل على ما هو عليه من تدحرج، قد يدفع إلى إعادة النظر في التنسيق القائم.‏

وهذا ينسحب أيضاً على التعليمات الإضافية التي تم تزويد قادة المرتزقة بها، حيث برز التهديد لغة وحيدة سارية المفعول ومعمولاً بها من باب العدوى بمشغليهم الأساسيين، وهو ما أثار موجة من السخط والنقمة، فيما كانت الاتهامات المتبادلة تتفشى في كل الاتجاهات وتميط اللثام عن كل ما خفي، حيث ما كانت تتحاشاه الكثير من تلك التنظيمات قد برز إلى العلن وأسقط ورقة التوت الأخيرة.‏

على المستوى الإقليمي كانت الاتصالات قد أغرقت أجندات المسؤولين الأردنيين والإسرائيليين بلائحة من المواعيد الإضافية التي لم تكن مدرجة، فانشغلت خطوط الهاتف وكثير من قنوات التواصل والخطوط الساخنة والباردة في كلا الاتجاهين، لحساب الاستنفار السياسي والاستخباراتي ومتابعة آخر ما حررته غرفة العمليات المشتركة، وما يأتي من تعليمات عاجلة من البيت الأبيض الذي أغرق العواصم الإقليمية الأخرى التركية والسعودية والقطرية بسيل من الاستفسارات الموازية.‏

المحسوم عملياً أن الكثير مما كان يراهن عليه المشغلون الإقليميون والغربيون قد تبخر على امتداد المساحة الميدانية التي تم حسمها، وإن كانت المساحة السياسية الناتجة أكثر اتساعاً وانعكاساً، نظراً للارتدادات الناتجة، والتي تشكل في مجملها عوامل وإضافات تعيد ترجيح كفة الميدان ليكون دائماً هو الفيصل.‏

على الضفة الموازية لم تكن المواقف المعلنة من قبل المشغلين الأساسيين أكثر اتزاناً من مثيلتها الإقليمية الوظيفية، حيث بدت المقاربات الصادرة عن عواصم القرار الغربي مجرد صدى لهالة الهذيان التي صدرت عن تلك العواصم الإقليمية بوجوهها المختلفة، وإن حاولت الاختباء خلف أصداء ما يتم ترويجه من أكاذيب علنية وسرية.‏

حضور الميدان مرة أخرى على لوحة رسم إحداثيات المشهد يضيف إلى كفة الحقيقة مدارك وحقائق، وكثيراً من الوقائع التي كانت وستبقى في المحصلة النهائية البوصلة التي تركن إليها الجغرافيا وهي ترسم خرائطها في السياسة على أساس ما حققته ووفق معيار ما هي مؤهلة لتحقيقه في الأيام القادمة، رغم أنه في حضرة الميدان قد يكون الحساب على أساس الساعات وأحياناً أقل من الساعات.‏

بقلم: علي قاسم‏