دمشق-سانا
يقدم كل من النحات إياد البلال والتشكيلي أحمد الصوفي في معرضهما المشترك المقام حالياً في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق آخر نتاجهما الفني بتقنيات متنوعة ومواضيع إنسانية عميقة ومعبرة عن حالات مختلفة ما شكل حواراً بين اللوحة والمنحوتة يستكمله المشاهد بما يتولد لديه من إحساس تجاه الأعمال المعروضة.
يأتي هذا المعرض المشترك بعد تجربة مماثلة لمعرض في حمص الشهر الفائت قدم خلاله الفنانان حالة ثقافية فنية عالية الأداء مليئة بالتصميم على الحياة والجمال عبر ما قدماه من أعمال مقابل أداة القتل والإرهاب من أعداء الشعب السوري.
يقدم التشكيلي الصوفي من خلال ثماني عشرة لوحة بأحجام متنوعة بين المتوسط والكبير وبتقنيات مختلفة بين الاكريليك والزيتي والكولاج مواضيع إنسانية تأملية ضمن أسلوب تعبيري يقترب في بعض الأعمال من التجريد في الأشخاص والتكوين والخلفية مع التضاد بين الأبيض والأسود وفي أعمال أخرى يأخذ سمة السرد ضمن سلسلة صور لأشخاص وحيوانات في دلالة على الحكاية السورية والأسطورة التاريخية المتكررة والمعبرة عما نعيشه اليوم .
ورغم وجود اللون الأسود والظل بشكل واضح في أعمال الصوفي إلا أنه لم يغفل الأبيض والنور اللذين شكلا رسالة مفادها بأن الخير والأمل والجمال موجودين دائماً حتى في زمن الموت والإرهاب والقبح وبأسلوبية عميقة تدعو لتأمل العمل لفك رموزها.
وعن أهمية تقديم معرض مشترك مع النحات البلال يقول التشكيلي الصوفي لـ “سانا”.. إن ميزة العرض المشترك بين نحات ورسام تقديم تجارب متنوعة للجمهور من خلال تجربتين تحملان روحا متقاربة وهموم متأصلة في حياتنا مبيناً أن هذا المعرض هو خلاصة عمل مرحلة من التجارب والاكتشاف ويبقى التقييم متروكا للناس.
ويتابع الصوفي.. كان الإنسان بطل تجربتي الفنية دائما بكل حالاته فهو الذي أوجد الفلسفات والفنون لذلك هو محور العمل واستمد أحياناً من المراحل التاريخية القديمة موتيفات “تصميمات” ذات طابع تراثي وملحمي مؤكداً أن إنسان هذه المرحلة يشغله بكل تفاصيله الداخلية والنفسية لذلك يوزع وينوع ألوانه وخطوطه للتعبير عن هذه الحالات المتنوعة.
ويوضح الصوفي أن اختيار مكان العرض جاء بناء على أهمية دار الأوبرا كمكان ثقافي مهم وحضاري ويحتضن العديد من الفعاليات في وقت واحد لافتاً في الوقت ذاته الى أن الإقبال كان أقل من المتوقع لعدة أسباب منها عدم الترويج للمعرض بالشكل المناسب في الإعلام المحلي.
النحات البلال قدم ثلاثة وثلاثين عملاً نحتياً بأحجام مختلفة بين الصغير والمتوسط والكبير توزعت على عدة خامات أغلبها البرونز والخشب والتداخل بينهما طارحاً من خلالها المواضيع الإنسانية التي تميز تجربته الفنية بأسلوب تعبيري.
ويقول النحات البلال.. إن المواضيع التي أعمل عليها في بحثي الفني تقدم الإنسان بتجلياته وأزماته وحبه وموته وبخروجه من تحت الرماد مبيناً أنه يستمد من الاشارات والدلالات الملحمية القديمة أحياناً رموزه وحالاته التعبيرية بعد شحنها بطاقة معاصرة وصهر عناصر اللوحة خاصة الإنسانية مع الخلفية بدلالاتها المتنوعة كالعمارة وغيرها.
وحول اختيار الخامات للأعمال المقدمة والتي تعبر عن نتاج السنوات العشر الأخيرة يوضح البلال أن اختيار الخامة والموضوع والدلالة يرتبط عنده بما يعكس الواقع محاولاً أن يبرز العمل البرونزي وامكاناته والعلاقة بينه وبين خامة الخشب بشكل مدروس في اشتغال واضح على تطويع هذه الخامة لتقديم أقصى طاقة كامنة لديها من وجهة نظره.
ويأتي الموضوع لدى النحات البلال بشكل قديم متجدد لكونه يعمل على العنصر الإنساني المرتبط بحياتنا ويومياتنا ومن غير هذا العنصر يفقد العمل أهم حوامله على حد تعبيره ويقول.. إن حضور العنصر الإنساني في هذه الظروف التي نعيشها يكون له معنى أعمق لانه تأكيد على أهمية وسمو الإنسان وتطلعه ورفضه للموت والإرهاب والقتل فيشكل الموضوع والخامة متانة العمل ورمزيته الإنسانية.
ويشير البلال إلى ضرورة الاهتمام بالنشاط التشكيلي بشكل أكبر ضمن فعاليات دار الأوبرا فهو يشكل حاجة بصرية وجمالية ماسة لمصلحة وسمعة الدار ليكتمل المعنى العام لوجودها كونه أحد أهم مهامها الثقافية والفنية ولذلك يستحق المزيد من الاهتمام والترويج والتنظيم مشيرا إلى الاقبال المتواضع الذي شهده المعرض.
وعن أهمية المعرض المشترك الذي يستمر حتى الغد يقول البلال.. أقمنا تجربة مماثلة قبل شهر بمعرض مشترك في المركز الثقافي بمدينة حمص لإعلان عودة مدينتنا للمشهد الثقافي السوري لافتاً إلى أن المعارض المشتركة تسمح بتقديم تجارب متنوعة لكل منها خصوصيتها مما يشكل غنى بصريا وثقافيا لدى المتلقي.
والفنان أحمد الصوفي من مواليد حمص عام 1969 وخريج كلية الفنون الجميلة عام 1999 وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها.
والنحات إياد البلال من مواليد حمص عام 1972 وخريج كلية الفنون الجميلة عام 1997 وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين ومدرس في معهد الفنون التطبيقية بدمشق قسم النحت وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها.
محمد سمير طحان