شدد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على حل للأزمة في سورية وفق الأنموذج اللبناني، وذلك في حديث الاثنين أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي في بروكسل، وقبله هناك من تحدث عن «طائف» لسورية شبيه بمؤتمر الطائف الذي أنهى النزاع في لبنان عام 1989.
يبدو أن هذه المشاريع لا تحترم المنطق ولا الحس السليم، فالمقارنة لا تتم إلا بين المتشابهين، ولا يجوز لأي طبيب معالج أن يعطي الدواء نفسه لمريضين مختلفين في بنيتهما ونوع مرضهما.
1- الأنموذج اللبناني القائم على المحاصصة المذهبية والطائفية أول من ينتقده ويكرهه هو الشعب اللبناني نفسه الذي يحتار في إيجاد سبيل للخلاص منه باتجاه الدولة المدنية والمواطنة اللبنانية الحقيقية.
2- إن التمفصل السياسي على أساس الطائفة والمذهب في لبنان سببه التأثير الفرنسي الكبير على السياسيين اللبنانيين في الأربعينات وفق توجه فرنسا لخلق كيانات طائفية في المنطقة، ساعد في ذلك أن عدد المسيحيين قريب من عدد المسلمين في لبنان آنذاك، أما في سورية فقد قامت الدولة منذ الاستقلال على أساس وطني، كما أن جميع الأحزاب والقوى السياسية نشأت في سورية على هذا الأساس حيث تضم في عضويتها الجميع دون نظر إلى العرق أو المذهب أو الطائفة.
3- إن المحاصصة مستحيلة في سورية من ناحية موضوعية أيضاً، إذ إن تسعين بالمئة من السوريين عرب، وتسعين بالمئة من السوريين مسلمون، بل إن نسبة العرب في سورية أكبر بكثير من نسبة التابعين للقومية الروسية في روسيا والتابعين للقومية الفرنسية في فرنسا.
4- إذا كان المقصود بالأنموذج اللبناني مشاركة القوى السياسية في تشكيل حكومة وحدة وطنية، فهذا الأمر قائم في سورية أيضاً حيث تضم التشكيلة الحكومية جميع الأحزاب العريقة وعمرها أكثر من سبعين سنة وكانت قبل عام 1970 متصارعة، وهي أحزاب تضمها التيارات الأربعة: البعثي والشيوعي والقومي السوري والناصري، إضافة إلى أحزاب أصغر ومستقلين.
5- أما «الطائف» فهو غير ممكن أيضاً لأنه انعقد بعد أن انهارت الدولة اللبنانية بمؤسساتها بما في ذلك الجيش، أما في سورية فإن أهم وأقوى عنصر موجود في الواقع هو الدولة السورية المتماسكة بمؤسساتها وجيشها وديبلوماسيتها، وقد أثبتت قوة مدهشة في مواجهة حرب هي الأعنف طوال أربع سنوات..
أخيراً، إذا كان بعض السياسيين ينقصهم المنطق والحس السليم، فليعتبروا على الأقل بالواقع الموجود فعلاً على الأرض، فأخطر ما في السياسة رومانيستها بمعنى تغليب الحلم والوهم على الواقع.