الشريط الإخباري

(ماهية الوعي الفلسفي).. مقارنة بحثية عن تطور الفلسفة عبر العصور

دمشق-سانا

تنظر الفلسفة إلى الوعي بأنه جوهر الإنسان الذي يميزه عن باقي الكائنات الأخرى لأنه مرتبط بقوة بأفكار المرء وسلوكه وبأحاسيسه ومشاعره وكان تطور الوعي عند الإنسان من المرحلة الأسطورية إلى الفلسفية إيذانا ببزوغ فجر جديد للبشرية منذ أكثر من ألفي عام.

ويهدف كتاب “ماهية الوعي الفلسفي” الذي جاء على شكل دراسة معمقة لمؤلفه الدكتور علي اسبر إلى استخلاص الخصائص الرئيسة للوعي الفلسفي في تاريخ الفلسفة لتبيان حقيقة أن للتفكير الفلسفي مناهجه الخاصة وموضوعاته الإشكالية التي لا يبلي الزمان إمكانية البحث فيها.

ويحاول الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في 544 صفحة من القطع الكبير تحديد ماهية الوعي الفلسفي والتوجهات المنهجية المحددة التي تميزه دون التركيز على فيلسوف بعينه أو على مرحلة فلسفية مخصوصة إنما بوساطة عملية استقصاء موضوعها هو تاريخ الفلسفة وتجلياته الأكثر أهمية.

ومن أجل تحقيق هدف الكتاب تم تقسيمه إلى بابين الأول تألف من تمهيد وثلاثة فصول وتناول أصل الوعي الفلسفي وتطوره في تاريخ الفلسفة حيث تمحور الفصل الأول من هذا الباب حول الوعي الفلسفي اليوناني وخصائصه العامة المميزة ولسهولة البحث تم تقسيمه إلى ثلاثة أدوار أساسية.

ففي الدور الأول تبين أن الهاجس الأساس لمختلف فلاسفة اليونان هو البحث عن مبادئ للوجود فيما كان للدور الثاني بحث عن ماهيات للوجود أما الدور الثالث فتحدث عن غاية الفلاسفة اليونان وهي الحكمة والاتجاه نحو الزهد.

ويتابع الفصل الثاني من الباب الأول تجليات الوعي في الفلسفة الوسيطة العربية الاسلامية والمسيحية وهنا تم التركيز على فكرة أن غالبية الفلاسفة العرب والمسلمين يجمعون على أن العقل الفعال هو مصدر الوعي الفلسفي لكن بالمقابل يخضعون عموما لتأثيرات الفلسفة اليونانية.

كما تم تناول موضوع علاقة الوعي الفلسفي مع الوعي الديني في الفلسفة المسيحية والوقوف عند فلسفة النهضة بوصفها تأسيسا لوعي فلسفي بشر بالفلسفة الحديثة.

وكان موضوع الفصل الثالث هو تجدد الوعي الفلسفي فقد ظهرت أولا نزعة عقلانية جديدة كان روادها الأوائل ديكارت واسبينوزا ولايبنتز الذين رأوا أن العقل البشري قادر على وضع تفسيرات نهائية للعالم المادي إلى أن جاء الفيلسوف الألماني “كانت” الذي جعل هذا العقل موضوعا لنقد عميق فكبح هذه النزعة العقلانية وعطل الوعي الفلسفي عن بلوغ الحقائق التي هي الأشياء في ذاتها حتى جاء ابن جلدته هيغل فأعاد للعقل قيمته وعممه على الوجود أجمع ونظر الى الوعي الفلسفي نظرة رفعته إلى مصاف المطلق.

وانطلاقا من معطيات الباب الأول جاء الباب الثاني من الكتاب “الوعي الفلسفي بين المشكلة والمنهج” مركزا في فصله الأول على “الوعي الفلسفي والمشكلة الفلسفية” ومتطرقا للمشكلات الأساسية في تاريخ الفلسفة والتي ارتبطت ببعضها وانقسمت إلى مشكلة المعرفة والوجود والأخلاق ولكنها شكلت موضوعات خالدة للوعي الفلسفي.

وبناء على النتائج التي تحققت في هذا الفصل جاء الفصل الثاني بعنوان “الوعي الفلسفي والمنهج الفلسفي” وكان المراد منه تقديم تصور عن منهج فلسفي نجم عن معاينة هذه المشكلات حيث تم من أجل محاولة إثبات صحة هذا التصور فحص ثلاثة مناهج ذات أهمية بالغة هي منهاج ديكارت الرياضي وهيغل الجدلي وهسرل الفينومينولوجي.

وأخيرا يمكن القول إن هذا النوع من الأبحاث ينطوي على صعوبات كثيرة نظرا لاتساعه ودقته واقتضائه للقدرة على تجريد الأفكار والبحث عن الأشياء والنظائر في حيثيات متعددة إضافة إلى غياب المراجع المباشرة حوله بشكل يكاد يكون تاما وهذا كله أفضى إلى عقبات عديدة وقفت في وجه البحث.

يشار إلى أن الدكتور علي اسبر من مواليد مدينة جبلة 1975 حاصل على درجة الدكتوراه في الآداب قسم الفلسفة ومدرس في ذات القسم وله العديد من المؤلفات والتحقيقات إضافة إلى عدد من الأبحاث والمقالات في مجلات ودوريات عربية ومحلية.

 رشا محفوض