«المرحلة الانتقالية» تمت في سورية..!

بيان جنيف العتيد يطالب «بعملية انتقالية بقيادة سورية» (الفقرة الثالثة)، وبالنسبة للنظرية السياسية، وللعلوم السياسية عموماً، فإن هذه العملية السياسية تمت في الفترة منذ بداية عام 2012 حتى صيف عام 2014، وخاصة أن البيان ذاته يؤكد ضرورة أن تخضع هذه العملية ونتائجها إلى الاستفتاء الشعبي العام، البند (ج) من (فقرة خطوات العملية الانتقالية)، إن الأزمات تفرض على الباحث استخدام المنهج الذي يسميه كلود نيكوليه «التفحص الحر للواقع» فالعلم في السياسة يتناقض مع المفهوم اليقيني والوثوقي بل والإيديولوجي إن أحببتم.

أعطى قرار مجلس الأمن 2118 (أيلول 2013) شرعية دولية لبيان جنيف الذي لم تشارك سورية في صياغته أصلاً، لكن من يقرأ هذه الوثيقة اليوم يرى من وجهة نظر علم السياسة، أن جوهر المضمون قد انتهى تنفيذه.

كان المقصود بالعملية الانتقالية الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر يختلف عنه في الأسس الدستورية، واليوم أي مقارنة بين الدستور الجديد والقديم نصاً وروحاً تؤكد أن النظام السياسي قد تغير، النظام شبه الرئاسي الموجود اليوم يختلف في أسسه وفي معايير تكوين السلطة عن الدستور السابق.

استغرقت العملية الانتقالية من نظام إلى آخر سنتين، المرحلة الأولى كانت الاستفتاء على الدستور وإقراره من الشعب (شباط 2012)، المرحلة الثانية الانتخابات التعددية للسلطة التشريعية (أيار 2012)، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد تمت بالانتخابات الرئاسية التعددية (حزيران 2014)، ومن الواضح أن مراحل هذه العملية جميعها تمت استناداً إلى المرجعية الشعبية (الاستفتاء على الدستور وانتخاب السلطات)، وهي المرجعية التي أكدت عليها وثيقة جنيف وكذلك قرارات مجلس الأمن جميعها منذ القرار 2042 وحتى القرار 2178، هذه القرارات وكذلك وثيقة جنيف، أكدت جميعها على أمرين متلازمين، الأول «الالتزام القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية» كما ورد حرفياً في ديباجة القرارات، والثاني الاستفتاء وصندوق الاقتراع أي مرجعية الشعب السوري.

اختتام العملية الانتقالية لا يغلق الحوار أمام السوريين، لكن مجرى الحوار وأهدافه يختلف عما قبل عام 2012. وهو يشبه أي حوار بين قوى سياسية في إطار نظام ديمقراطي مستقر سواء كان في بريطانيا أو فرنسا، حيث يحق لأي قوة سياسية أن تطلب ما تريد لكن تحت سقف الدستور. كما يحق لها أن تطالب بتعديل بنود الدستور وفق الآلية التي يراها الدستور نفسه.

بل إن أي قوة سياسية تستطيع المطالبة بتغيير الدستور عن بكرة أبيه والعودة إلى أي شكل تراه إذا استطاعت الحصول على ثلثي مقاعد السلطة التشريعية وإذا وافقها الشعب عبر الاستفتاء على مشروعها.

راجعوا كتب العلوم السياسية من مونتسكيو وجان جاك روسو حتى دوفرجيه وجون ديوي وغالبرايت، واستقرؤوا التجربة الديمقراطية المعاصرة في الغرب فإن وجدتم ما يتنافى مع هذا المنطق أخبروني كي نناقش الأمر سوية.

بقلم: مهدي دخل الله