اللاذقية-سانا
من مدينة جبلة انطلقت فرقة جباليا المسرحية متسلقة أحلام ثلاثين شابا وشابة من الممثلين الهواة وقد جمعهم عشق لا متناه لخشبة كانت في يوم من الأيام أبعد ما يكون عن سعيهم اللاهث لاعتلائها لكن تلك المواهب النابضة في دواخلهم بكل ما فيها من روح ابداعية شفافة واخلاص في العمل و ارادة التقدم نحو شرعية حضورهم الفني وتميز أفكارهم كانت جميعها وراء تحويل الحلم إلى واقع جسدته الفرقة التي راحت تجتذب جمهورا نوعيا إلى أروقتها الإبداعية بفعل العمل المتميز و الرغبة المخلصة بتقديم الأجود للفن السوري المعاصر.
وسعت الفرقة منذ تأسيسها إلى إعادة الألق الفني لمدينة جبلة من خلال سلسلة من الأعمال المتميزة والهادفة و التي لامس كل منها هموم الشباب والوطن وافسح المجال أمام هذه الكوكبة الموهوبة لتتجلى بكامل أناقتها الإبداعية على خشبة المسرح الروماني العريق ومسارح اخرى تحت إشراف الدكتور عجاج سليم.
في هذا الجانب ذكر المخرج نورس أبو علي رئيس الفرقة أن أي بداية فنية تعتمد أولا على حضور الموهبة و من ثم يتم صقلها بالعمل والدراسة و التدريب العملي على الخشبة و هي معايير توفرت لدى شباب الفرقة الهواة لافتا الى ان باب الانتساب للفرقة كان مفتوحا امام كل من يجد لديه الموهبة و يسعى إلى تطويرها وصقلها.
وأضاف “لم أجر امتحان قبول لأي منهم لأنني كنت واثقا من أن الشباب يتمتع بالفطرة بطاقات خلاقة تحتاج من يعرف كيفية إخراجها و استثمارها فمن الصعب على سبيل المثال ان يقف الشاب الهاوي في أول صعود له المسرح ويرسم مونولوجا مسرحيا أو يعيش حالة معينة إذ يتطلب الأمر تقييم إمكاناته أولا و دراسة الكيفية الأجدى لتطويرها و هذا ما كنت أفعله أثناء البروفات والتدريبات معتمدا على حركاته ونبرة صوته وادائه و ردود أفعاله وتفاعله مع زملائه خلال سير المشهد”.
بعد ذلك بدأ كما قال بإقامة ورشات عمل متخصصة للممثلين الشباب ليرفع من قدراتهم ويدفع بمعرفتهم المسرحية نحو مساحة يتم فيها التعرف اكاديميا على ماهية الفن المسرحي بمختلف اشكاله وفنونه الفرعية بالاضافة الى ورشات اعداد الممثل من مختلف النواحي ليكون قادرا على تقديم الافضل على الخشبة.
وهكذا تمكن أبو علي من رفد هذه المواهب بما ينقصها لتتحول على حد تعبيره الى ايقونات ابداعية راحت تفجر مواهبها المتميزة عبر عروض نوعية قدمتها الفرقة منذ انطلاقتها و منها عمل بعنوان “شان شلوكا ع المقلوب ” و آخر هو “جمايكا الحالم” بالإضافة إلى عرض” أربع دمعات ” و مسرحية “آخر عرض كان” و عمل بعنوان نور العيون مشيرا الى ان هذه الاعمال من تأليفه واخراجه.
ويستقي المخرج أبو علي أفكار اعماله كما ذكر من المجتمع حوله ومن القضايا اليومية التي تشغله و ابرزها معاناة الشباب وهمومه ومعالجة مشاكله مشيرا إلى أن هناك أفكارا كثيرة في المجتمع والحياة يمكن التطرق اليها فهي لا تحتاج إلا لمخيلة خصبة تقوم على تحويل الفكرة الى صراع درامي وإضافة العناصر اللازمة له في سياق تصاعدي متصل.
وأشار إلى أن الفرقة تعمل حاليا بجد و إصرار على إقامة مهرجان سنوي خاص بها يشكل حالة فكرية وفنية وجمالية عالية انطلاقا من مدينة جبلة حيث يتيح هذا المشروع لاعضاء الفرقة تطوير مهاراتهم والتعرف على التجارب المهمة بالاضافة الى دعم المسيرة الفنية و الثقافية شرط ان يستقطب المهرجان عروضا ذات مستوى فني جيد مؤكدا أن العائق الأكبر في تنظيم هكذا مهرجان هو تأمين الدعم المادي الذي يتطلبه.
وأضاف رئيس الفرقة تتضمن خططنا المستقبلية المشاركة في عمل تلفزيوني أو سينمائي يتم من خلاله تطوير مهارات الشباب المسرحي والانتقال به خطوة إلى الأمام كون هذه التجربة ستشكل إضافة نوعية لكل منهم و قيمة ابداعية ستنعكس و لابد على ادائهم التمثيلي و لذلك اعكف حاليا على كتابة مسلسل تلفزيوني تحت إشراف متخصصين في كتابة السيناريو وسيتم انتقاء عدد كبير من شباب الفرقة للمشاركة بهذا العمل.
من ناحيتها ذكرت الممثلة الشابة ” نورهان الخاني ” من أعضاء الفرقة أن هذا المشروع الفني يلبي رغبات و تطلعات مجموعة من الشباب المبدع ممن لم يكن لديه متسع من الفرص لإثبات حضوره الفني رغم ان جميع الممثلين في الفرقة هم من عشاق الفن عموما و المسرح على وجه التحديد و لذلك فقد كان لتشكيل هذه الفرقة وقع وجداني عميق على جميع اعضائها الحاليين.
وبينت أن أحدث أعمال الفرقة و هو عرض نور العيون الذي قدم على أكثر من مسرح في مدن اللاذقية و طرطوس و جبلة أثبت بصورة لا تقبل الشك بأن شباب الفرقة هم حالة ابداعية متميزة عن سواها و لديهم الكثير ليقدموه للجمهور المتعطش لفرجة مسرحية راقية فقد أعيد عرض هذا العمل لعدة مرات بناء على طلب ورغبة الجمهور الذي احب العرض وتفاعل معه كثيرا مشيرة الى ان العرض سيقدم الشهر القادم في دمشق.
وقدمت فرقة جباليا للممثلة الشابة الكثير من الإحساس الجميل بالوقوف على خشبة المسرح كما بينت ليصبح هذا الإحساس عشقا بالنسبة لها تتكاثف فيه مشاعر الفرح و الخوف والرهبة وهيبة اللقاء مع الجمهور فهي لحظة مواجهة في غاية الصعوبة و المسؤولية وهي الحد الفاصل بين النجاح أو الفشل.
بشرى سليمان