الشريط الإخباري

أوروبا.. المذعورة أمريكياً-بقلم: مهدي دخل الله

تحدث في الغرب حوادث قتل جماعي أكثر بشاعة مما حدث في فرنسا مؤخراً. لكن الإعلام لا يتناولها بهذه الحدة، كما أن السياسيين يتغاضون عنها باعتبارها قضايا جنائية يفرضها واقع المجتمعات الكبيرة. لكن الحدث الإرهابي الأخير أيقظ أرواحاً من سباتها في القارة العجوز فالتقى في باريس أغلبية زعماء الغرب مشكلين حالة هيجانية تشبه حالة «صيد الساحرات» في العصور الوسطى.. إنه الذعر المطلوب أمريكياً..!

التقيت مؤخراً عدداً لا بأس به من الإعلاميين وبعض النواب الإيطاليين في كاليغاري عاصمة سردينيا في ندوة حول «دور سورية في مكافحة الإرهاب العالمي». كان تركيزهم الوحيد على «الفزّاعة» الأمريكية التي سماها الإرهاب والتي ما إن ينتهي دورها في الشرق الأوسط حتى تنتقل إلى أوروبا كي تعطي الأمريكيين ذريعة لإبقاء أوروبا أكبر فترة ممكنة تحت مظلة «ناتو» ونظرية «الأمن الجماعي» خلف قيادة واشنطن.

تذكرت أنه في بداية السبعينيات دعا هنري كيسنجر- وكان وقتئذٍ سكرتيراً لإدارة الدولة أي وزيراً للخارجية- جميع السفراء الأوروبيين في دول حلف وارسو إلى اجتماع باريس وقال لهم: لا تساعدوا حركات التغيير في أوروبا الشرقية لأنه إذا فرط عقد حلف وارسو سنفقد أي ذريعة لإبقاء أوروبا الغربية تحت جناحنا.. كان «العزيز هنري» يؤمن بنظرية «العدو الضروري» أي الفزاعة التي تطيل عمر قيادة واشنطن لأوروبا.. ولاشك في أنه لم يكن سعيداً جداً بإنفراط عقد المعسكر الاشتراكي على الرغم مما حققه ذلك من فوائد للولايات المتحدة .. عين كيسنجر كانت على «إسرائيل» أيضاً.. فإذا ذهبت الشيوعية فأي دور سيتبجح به هذا الكيان؟.. كان لابد من اختراع عدو لأن بعض دول أوروبا الغربية بدأت تشكك بالحاجة إلى هذا «الناتو» بعد انهيار حلف وارسو، الاختراع الأول كان إيران «كخطر استراتيجي» يؤكد ضرورة تماسك الغرب، لم يكن هذا مقنعاً بالشكل المطلوب، بعد ذلك جاء «الخطر الإسلامي»، أيضاً كان هذا شائكاً وخاصة أن الحزب الديمقراطي في واشنطن يدعم بقوة الإسلام السياسي ومفرزاته كلها.

في السنين الأخيرة ظهرت فزاعة جديدة هي روسيا المتطلعة إلى دور مستقل ومؤثر في العلاقات الدولية، أيضاً لم يكتسب هذا «العدو» المصداقية المطلوبة في نظر الأوروبيين خاصة بسبب غياب العامل الإيديولوجي وبسبب ارتباط أوروبا بروسيا عبر الطاقة.. كانت هناك الفزاعة الأكبر.. الإرهاب، وفعلاً أيقظت أمريكا «القاعدة» ومفرزاتها من سباتها ووجهتها نحو الشرق الأوسط بدعم مطلق، وعززت «الإسلاموفوبيا« لدى الأوروبيين كي يبقوا أوفياء للناتو ولرأسه الأمريكي.. حدث باريس خدم نظرية الأمن الجماعي تحت مظلة واشنطن، وهو لاشك سوف يعزز «شرعية» مطالب أمريكا من الأوروبيين أن ينتبهوا من «الخطر القادم من الشرق» فهل يستغرب أحد هذا الانفلات الكبير للمرتزقة الإرهابيين؟ وهل يستغرب أحد لماذا لا تطبق أمريكا وتركيا القرار الأممي 2170 الذي يطالب بتجفيف منابع الإرهاب، والذي لو تم تطبيقه لاختنق الإرهاب في أشهر قليلة؟..

صحيفة تشرين