مَنْ يستعرض ما كتبته الصحف الغربية تعليقاً على العمل الإرهابي الذي طال مقر أسبوعية «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة التي تضمّ أشهر رسامي الكاريكاتير في باريس، يدرك صوابية الموقف السوري ورؤية الدولة السورية التي حذرت، مراراً وتكراراً من أن الإرهاب، الذي ضرب بنيتها ونال من البشر والحجر فيها، سيرتّد إلى الغرب الذي صنّعه واحتضنه، ووفر له عوامل نموه، عندما رعاه، ومدّه بالمال والسلاح، وسهّل عبوره إلى أراضيها إما مباشرةً، وإما عن طريق عملائه وأدواته وخدمه في المنطقة.
والهدف المعلن من الحرب الإرهابية على سورية والمنطقة والتي حملت عنواناً براقاً هو «دمقرطة» المنطقة، وهو في الواقع جزء من مشروع غربي يحمل اسم «الربيع» سُوِّق له بأنه يحمل الحرية إلى الشعوب العربية، وينطلق بها نحو الحضارة المنشودة التي ينعم بها الغرب، وما هو في الحقيقة إلا «ربيع إسرائيلي» ومشروع تقسيم استعماري جديد، هدفه الأول والأخير تنفيذ أجندة المصالح الغربية التي لم يستطع الغرب الاستعماري نيلها بالقوة، فلجأ عبر مشروعه «المتحضّر» إلى تفتيت المنطقة الذي يخدم أولاً وأخيراً يهودية «إسرائيل».. «إسرائيل» التي تسارع اليوم متخوفةً لأخذ الاحتياطات والحذر من خلال معاقلها في الدول الغربية، والتحذير من تمدّد الإرهاب إليها، مع أن الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني هما من نمّى هذه القوة الإرهابية الضاربة العابرة للقارات.
الأديب الفرنسي ميشال ويلبيك الذي تنبأ بفرنسا إسلامية عام 2022 سارع معلّقاً على العمل الإرهابي الذي ضرب فرنسا بالقول: لا… دعونا لا نخطئ في العلاج، ليس الحلّ في بتر الحريات، بل في محاربة التعصب والحقد الأعمى، والظلامية والجهل.. متناسياً أن مواطنه برنار هنري ليفي، الملقب بالفيلسوف الديمقراطي هو من أول مشهري سيف الفكر الظلامي التخريبي، ومتناسياً أن سياسة فرنسا العدائية لسورية والداعمة للإرهاب في المنطقة هي من جعلت هذا الإرهاب لغةً حقيقية، تتوزّع مفرداتها في كل الأنحاء، وتتحرك بوصلتها في كل الاتجاهات، حتى طال الإرهاب عقر دارها، ويهدّد بالانتشار في عمق محيطها الغربي، ما ينذر بحرب حقيقية حسب «اللوفيغارو» الفرنسية.. حرب لا يشنّها قتلة في الظل، بل سفاحون يتحركون بمنهجية وتنظيم، ويظهرون وحشيةً تثير الرعب.. ومن هنا، يأتي السؤال: مَنْ الذي جعل هؤلاء الإرهابيين يتحركون بمنهجية وتنظيم؟ مَنْ سوى الدعم الغربي الصهيوني الذي ضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية السابقة واللاحقة المؤكدة على ضرورة محاربة الإرهاب ومكافحته؟!!
ألم تقل سورية عبر كلمة لقائدها: إن مَنْ يلعب بورقة الإرهاب كمن يضع العقارب في جيبه.. فكيف استطاع الغرب التعامي عن هذه المقولة المهمة ذات الرؤية الصائبة في تقويمها للأمور؟… رؤية وصفت الحالة المدمرة التي سيصل إليها العالم، إذا لم يتحرك ويوقف احتضان هذا الإرهاب المتنقّل عبر الدول، الحالم بخلافة ممتدة قائمة على الفكر الظلامي التكفيري الذي سيهدم بساطوره وسلاحه كلّ فكر وحضارة وعراقة وأصالة..
خوف الغرب من الإرهاب صار واقعاً معيشاً، فالإرهاب يهدّدهم، وينذرهم، ويتوعّدهم، وما على دوله إلا مدّ جسور التعاون الدولي للقضاء عليه ومكافحته، ليس بالأقوال وبالقرارات فقط، وإنما بالمكافحة الجدية عبر إيقاف كلّ أشكال الدعم له، والتخلّي عما سمّته «معارضات مسلحة معتدلة»، لأن المعتدل في الفكر والديمقراطية لا يحمل سلاحاً في مواجهة دولة.. كما أن على الغرب أن يستيقظ من أحلامه الاستعمارية، ويدرك فعلاً أن مشروعه الاستعماري التدميري، لن ينجح في المنطقة، لأن سورية كانت، وما زالت، له بالمرصاد، وبكل طاقتها، فهي السّد المنيع الذي لا يستطيع أي مشروع يراد به الشرّ للمنطقة المرور من خلاله، مهما عظمت التحديّات، وكبرت المؤامرات..
ها هو المتحوّل الإرهابي قد صار في أحضان الغرب واستوطن فيه، وما على دوله إلا أن تعي خطورة سياستها جيداً وانعكاسها عليها، وأن تسارع لتضع يدها في يد المجتمع الدولي الذي عليه محاربة الإرهاب محاربة جدية إذا ما أراد قضاءً حقيقياً على هذا السرطان المنتشر وخلق مجتمع متحضّر خال من الأفكار الظلامية والجهل، وإلا ستخرج العقارب دفعةً واحدةً، وستفتك بهم جميعاً وإلى الأبد.
بقلم: د. رغداء مارديني