دمشق-سانا
توثق اللقى الأثرية والنقوش الكتابية اهتمام السوريين بعلم الفلك والتعمق في دراسة الأجرام السماوية كالنجوم والكواكب والمذنبات والمجرات والظواهر التي تحدث خارج نطاق الغلاف الجوي وحساب القياسات الفلكية ووضع التقاويم وأسس علم التنجيم منذ عصر البرونز.
وتشير اللقى إلى أنهم استخدموا في مراقبة الشمس ورصد حركات النجوم والكواكب وتحديد الوقت أدوات بسيطة ومع ظهور الإسلام وانتشاره في سورية اعتنى السوريون بالفلك وآلاته عناية كبيرة لارتباطه الوثيق بأحكام الشريعة.
وطور السوريون كما يقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر و قارئ النقوش الكتابية القديمة آلة فلكية قديمة أو حاسوبا فلكيا تدعى الاسطرلاب ابتكرها الإغريق على الأرجح خلال القرن الثاني قبل الميلاد وهي آلة قابلة للحمل فعالة في مراقبة وقياس أبعاد النجوم والشمس والقمر وسائر الكواكب السيارة وأضافوا إليها إضافات كبيرة على الجانب الوظيفي للإسطرلاب ورسم خطوطه والجانب الشكلي الخارجي له وإضافة قياس محيط الكرة الأرضية وجمع الخرائط الفلكية التي تصور حركة الكواكب وتحديد أشكال مداراتها ومن أشهر صناع الإسطرلاب في سورية عالم الفلك والرياضيات السوري أبو الحسن علاء الدين بن علي بن إبراهيم المعروف بابن الشاطر الدمشقي 1304-1375م وهو صانع الساعة الشمسية المسماة الوسيط والمستخدمة لضبط وقت الصلاة والموضوعة على إحدى مآذن الجامع الأموي ومصحح نظرية بطليموس التي تنص على أن الأرض هي مركز الكون والشمس هي التي تدور حولها وأن الأجرام السماوية كلها تدور حول الأرض مرة كل أربع وعشرين ساعة.
وأضاف السيد إن ابن الشاطر هو القائل أن الأرض والكواكب المتحيرة تدور حول الشمس بانتظام والقمر يدور حول الأرض ومصحح المزاول الشمسية أقدم آلات قياس الوقت والمستخدمة منذ عام 3500 قبل الميلاد والتي بقيت تتداول لعدة قرون في أرجاء متعددة من الإمبراطورية العثمانية وتسمى بالرخامة وهي أداة توقيت نهاري تتكون من عدة نقاط وخطوط رسمت على صفيحة عريضة وفي وسطها عصا مستقيمة أفقية يتحدد الوقت من طول ظلها الناتج عن وقوع اشعة الشمس عليها حيث تترك ظلا متحركا على النقاط والخطوط وقام بقياس زاوية انحراف دائرة البروج و درس حركة الأجرام السماوية بكل دقة وأثبت أن زاوية انحراف دائرة البروج تساوي 23 درجة و31 دقيقة و8ر19 ثانية ومن أهم مؤلفاته في هذا المجال مختصر العمل بالإسطرلاب ورسالة في الإسطرلاب ورسالة عن صنع الإسطرلاب كما ابتكر ابن الشاطر الكثير من الأدوات المستخدمة في الرصد الفلكي والأدوات المستخدمة في القياس الحسابي ومنها الساعتان الشمسية والنحاسية والربع العلائي والربع التام المستخدمان في حل مسائل علم الفلك بكيفية يسهل معها الحصول على النتائج والإسطرلاب الذي ابتكره ويعتبر صندوق اليواقيت آلة فلكية من صنع ابن الشاطر وهو محفوظ حاليا في مكتبة الأوقاف بحلب وأهم أجزائه إبرة مغناطيس لامتدادها في الجهات الأربع ثم رسوم لمعرفة القبلة في بعض البلدان ثم ساعة شمسية كلية تمال إلى الأفق بقدر عرض البلد ثم دائرة استوائية كلية يقاس بها الوقت ليلا ونهارا ووضع ابن الشاطر قبل 150 سنة من كوبرنيكوس تصورا لنظام الأجرام السماوية مشابها للنظام الذي أعلنه كوبر نيكوس.
وأشار الباحث إلى أن كلمة إسطرلاب تعني باليونانية أخذ النجوم أو قياس بعد النجوم وتسمى بالفارسية ستاره ياب وتعني مدرك النجوم والإسطرلاب آلة دقيقة تصور عليها حركة النجوم في السماء حول القطب السماوي وتمثل نموذجا ثنائي البعد للقبة السماوية و تظهركيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد وتستخدم في حل المسائل المتعلقة بالوقت وتقدير الوقت في النهار أو الليل وتحديد وقت بزوغ الشمس أو تكبد النجوم وتحديد مواقيت الصلاة ومواعيد فصول السنة وتحديد أماكن الأجرام السماوية مثل الشمس والنجوم وقياس ارتفاع الشمس في السماء ورسم خريطة البروج وحل الكثير من المسائل التي لها صلة بعلم الفلك الكروي كما كانت حتى القرن الثامن عشر تستعمل في الملاحة البحرية لتعيين زوايا ارتفاع الأجرام السماوية بالنسبة للأفق في أي مكان لحساب الوقت والبعد عن خط الاستواء وفي أعمال المساحة والتثليث الخاصة بقياس الأرض كحساب بعد مكان يصعب بلوغه أو ارتفاع بناء أو عمق بئر.
وبين الباحث أن الاسطرلاب يتكون من العديد من القطع أهمها العنكبوت وهى قطعة تمثل مدار الشمس في دائرة البروج و الصفيحة وهي قطعة توضع عليها دوائر الارتفاع والسموت ومواقيت الصلاة والمنازل الاثنى عشر وغيرها والأم وهي قطعة تحتوى على جميع القطع والعضادة والفرس و تقسم الدائرة لدرجات لتعيين زوايا ارتفاع النجم أو الشمس لتحديد موقعه.
ولفت المؤرخ السوري إلى وجود ثلاثة أنواع رئيسة من الاسطرلاب تصنف حسب مسقط الكرة السماوية على سطح مستو أو على خط مستقيم وهي.. الإسطرلاب المسطح أو المبطح وهو إما شمالي أو جنوبي تبعا لمركز الإسقاط المجسم والاسطرلاب المعد للاستعمال في نصف الكرة الشمالي يكون مركز الإسقاط فيه القطب الجنوبي لقبة السماء وخط الاستواء أو دائرة الاعتدال هو مستوى الإسقاط ومدار الجدي يتمثل في حافة الصفيحة أما الاسطرلاب المعد للاستعمال في نصف الكرة الجنوبي يكون مركز إسقاطه القطب الشمالي لقبة السماء وخط الاستواء أو دائرة الاعتدال هو مستوى الإسقاط و ينطبق مسقط مدار السرطان فيه على حافة الصفيحة والإسطرلاب المسطح آلة معدنية مصنوعة من النحاس أو البرونز ذات شكل دائري سهلة العمل يراوح قطرها بين 10 و 20سم تسمى أيضا ذات الصفائح ويمثل الإسطرلاب المسطح الإسقاط المجسم للكرة السماوية ويمتاز الإسطرلاب المسطح المصنوع في سورية ببساطة الشكل وقلة التعقيد فهو مؤلف من جهاز التعليق المكون من ثلاث قطع معدنية قطعة معدنية كبيرة الحجم مثلثة الشكل ومثبتة بقوة في جسم الإسطرلاب تدعى الكرسي وقطعة معدنية أخرى متصلة بأعلى الكرسي وبالإمكان إدارتها إلى الوجهين تدعى العروة أو المحبس وقطعة معدنية مدورة تمر بالعروة تسمى الحلقة وتستخدم في تعليق الاسطرلاب.
ويتكون أيضا من جسم الاسطرلاب المؤلف وجهه من إطار خارجي يحيط بالسطح الداخلي ويسمى الحجرة أو الطوق أو الكفة وقد قسمت حافة الحجرة إلى 360 درجة رقمت خمسا فخمسا بحروف الجمل من اليسار إلى اليمين بدءا من خط الرأس عند منتصف الكرسي ومن صفيحة مستديرة أو قرص تسمى الأم تعلم عليها خطوط العرض الجغرافية وتشكل قعر الحجرة وقد ثقبت في وسطها لمرور المحور ويشكل سطحها الداخلي الوجه وسطحها الخارجي الظهر كذلك نجد صفائح أو أقراص معدنية رقيقة مثقوبة في الوسط لمرور المحور كل صفيحة أو قرص معدني يحمل على الوجه والظهر إسقاطا مجسما لدائرة الإعتدال أو خط الإستواء والمدارين والأفق الخاص بعرض موقع جغرافي معين مع الدوائر الموازية له وتسمى المقنطرات والدوائر الرأسية بالنسبة إليه أي دوائر السموت توضع الصفائح
داخل الحجرة فوق الأم ولكل منها ثلمة محددة تدخل في نتوء صغير عند طرف الحجرة يمنعها من الدوران إذا دارت الشبكة أو العنكبوت فوقها وهي صفيحة معدنية ثخينة ومخرمة توضع فوق الصفائح ولها نواتئ تدعى الشطبة وتستعمل كمؤشرات إلى مواقع النجوم مع الصفيحة التي تحتها كما نجد شطبة خاصة تسمى المري تفيد في معرفة مقدار دوران العنكبوت وقد نقش على وجه العنكبوت منطقة البروج المقسمة إلى إثني عشر قسما أو برجا كل قسم 30 درجة يبدأ من دائرة الإعتدال و يدل على نقاط من منطقة البروج تتدرج في متوالية عددية مقدارها 30 درجة تبدأ من الصفر حتى 30 درجة وقد قسم كل قطاع منها إلى درجات ووضع على هذه الدائرة علامة صغيرة وظفت كمؤشر لقراءة التدريج المقابل على الحجة ويلاحظ في العنكبوت قبضة صغيرة أو أكثر تدعى المحرك أو المدير تستعمل لإدارة العنكبوت حول محورها.
وبين نائب مدير المخابر أن القطب أو الوتد دبوس معدني يدخل في ثقوب أجزاء الإسطرلاب ويثبتها ولا يسمح إلا بدوران العنكبوت والعضادة أو المسطرة وهما الجزاءان الوحيدان المتحركان في الإسطرلاب وفي القطب شق تدخل فيه قطعة معدنية مخروطة على شكل لولب برأس عريض تسمى الفرس فتمنعه من الانزلاق خارجا وتحت الفرس حلقة إحكام واقية صغيرة تسمى الفلس تقي العنكبوت من الاحتكاك وتوفر له حرية الدوران.
يتميز الإسطرلاب المصنوع في الدول الإسلامية بمسطرة أو عارضة معدنية مستطيلة الشكل ومتوازية السطوح تركب على الظهر بعكس الإسطرلاب المصنوع في أوروبا حيث نجد المسطرة مركبة على الوجه.
يعادل طول المسطرة قطر الإسطرلاب ولها ثقب يدخل فيه القطب ويسمح لها بالدوران. ذراع المسطرة ينتهي برأس محدد يسمى الشظية أو الشطبة يصل بينهما خط أو حرف سفلي يمر من مركز قرص الإسطرلاب يسمى خط الترتيب يلاحظ في المسطرة أو العضادة وجود صفيحتين صفيرتين مستطيلتي الشكل قائمتين بالقرب من الرأسين تسميان كل واحدة دفة أو لبنة فيها ثقب صغير يقع مركزه فوق خط الترتيب يرصد فيه شعاع الشمس أو النجم ويوجد في دفة بعض الإسطرلابات ثقبان مختلفا الحجم يستعمل الصغير منها لرصد ارتفاع الشمس أما الثقب الكبير فيسمح برصد النجوم والقمر يسمح الثقب الكبير أيضا برصد الشمس عندما يكون الجو غائما.
ولفت السيد إلى أن ظهر الإسطرلاب المسطح يوجد فيه قطرين متعامدين يقسمانه إلى أربعة أرباع ويلاحظ في الحافة الخارجية للربعين العلويين وجود علامة تسعين درجة عن يمين وتسعين درجة عن شمال بدءا من الخط الأفقي وتتم من خلال هذه التدرجات قراءة ارتفاع الشمس أو النجم الذي تحدده المسطرة كما يلاحظ على ظهر معظم الإسطرلابات في الربع العلوي الأيسر خطوط أفقية وشاقولية تمثل مقادير الظل وظل التمام.
وفي الربع العلوي الأيمن مجموعات من المنحنيات يدل أحدها على ارتفاع الشمس وكل موضع من مواضع الشمس في منطقة البروج وتدل الأخرى على ارتفاع الشمس عند منتصف النهار في مختلف العروض الجغرافية وفي كل فصول السنة.
وتابع السيد أنه يلاحظ في الربعين السفليين مربعا الظلين الظل المبسوط والظل المنكوس وقد خصصا لميل الشمس سبعة أقدام والميل اثنتي عشرة إصبعا وبين السيد أن بعض الاسطرلابات تسمح بقراءة جيوب زوايا الارتفاع.
وبين السيد أن القبة المنظورة رسمت على وجه الإسطرلاب المسطح بطريقة حسابية دقيقة تسمح بتحول الدوائر من أشكال كروية إلى أشكال مسطحة من دون أي تغيير للقيمة الحقيقية للزاوية التي ترسم بين خطين على الشكل الكروي وعلى هذا فإن خط الأفق وخطوط المدارات وخط الاستواء والخطوط السماوية تظل في شكل دوائر أو في شكل أجزاء من دوائر.
وأشار الباحث إلى أن من أنواع الإسطرلابات أيضا الإسطرلاب الخطي الشبيه بمسطرة الحساب المؤلف من قطعة واحدة عليها خيط مثبت في منتصفها يمثل مسق القطب الشمالي وخيط آخر مثبت في طرفه يمثل ميل دائرة الأفق وخيط ثالث عند الطرف الأخر حر الحركة ويمثل حرف المسطرة خط نصف النهار شمال وجنوب في الصفيحة العادية وعليه علامات تمثل تقاطع خط الأفق والمقنطرات مع خط نصف النهار وفي القسم العلوي من المسطرة علامات تمثل مراكز دوائر الأفق والمقنطرات وفي القسم السفلي يلاحظ وجود تقسيمات تتقاطع مع خط نصف النهار وتدرجات أخرى تستخدم لقياس الزوايا على أساس أن طول المسطرة يعادل 180 درجة.
والاسطرلاب الكروي الذي يمثل الحركة اليومية للكرة السماوية بالنسبة إلى أفق مكان معلوم من دون مسقط. يحتوي وجه الإسطرلاب على خريطة القبة السماوية وأداة تشير إلى الجزء المنظور من القبة السماوية في وقت معين وهو أسهل استعمالا من الاسطرلاب المسطح لأنه يتألف من كرة يوقع عليها ما يرى في السماء من نجوم وكواكب لتحديد أماكنها وخط سيرها الظاهري وتمثيل الحركة اليومية بالنسبة إلى أفق المكان المعني وزمن محدد. من أشكاله ذات الحلق وذات الكرسي.
واستعرض السيد أهم الإسطرلابات المكتشفة في سورية ومنها اسطرلاب مصنوع من النحاس المطعم بالفضة مؤرخ بعام 1299م وهو من صنع السهل الاسطرلابي صناعة مدينة حماة ويتألف وجهه من الحلقة والعروة والكرسي والأم والحجرة والعنكبوت والمحور ويتكون ظهره من الربع العلوي الأيمن والأيسر والعضادة والمحور والظل المبسوط والظل المنكوس.
ومن الاسطرلابات المهمة المحفوظة في متحف دمشق الوطني اسطرلاب مصنوع من خليط أربع مواد.. النحاس والتوتياء والرصاص والقصدير مؤرخ بالقرن الخامس عشر الميلادي مؤلف من صفيحة دائرية يوجد على محيطها إطار مرتفع و مدرج ويلاحظ في الصفيحة خطوط منقوشة تمثل خطوط السمت والارتفاع حسب الموقع المتواجد فيه الراصد كما نجد فوقها مجموعة من الحلقات التي تدور وتحدد من خلال مؤشرات على شكل خناجر مثبتة عليها اتجاه النجوم الأساسية التي نقشت أسماوءها على هذه الحلقات ويمثل القوس من الدائرة الظاهر في القسم السفلي من الاسطرلاب خط الاعتدال وتشير القطعة المستقيمة المستعرضة في الوسط إلى دائرة أو فلك الشمس الذي يدور حول نقطة تمثل نجم القطب ويلاحظ على ظهر الاسطرلاب مساحة قسمت إلى أربع دوائر متمركزة دونت عليها أشهر السنة مع تدرج في الحروف والأسطر ورموز البروج وعلى الدائرة الأقرب إلى المركز نجد تدرجا متحركا من الحروف العربية وفي الوسط توجد تعليمات حول كيفية الإمساك بالإسطرلاب وقد استخدم في تحديد اتجاه مكة وتحديد أوقات الصلوات اليومية واسطرلاب مصنوع من نحاس أصفر مؤرخ بالقرن الثامن عشر ويتألف من عروة تعليق وثمانية أجزاء حملت أسماء البلدان ورموز البلدان ورموز النجوم كما تتعلق بعض الأحرف بالأعداد يمكن هذا الاسطرلاب من خلال قياس نجم القطب من تحديد دائرة العرض الجغرافي للموقع.
عماد الدغلي