تطويق روسيا.. الهم الأمريكي الأول

تبدو فلسفة القطبية حاضرة من جديد في العلاقات الدولية ومن أهم عناصر هذه القطبية عنصر التطويق، الولايات المتحدة مازالت تسعى إلى تعزيز الطوق حول روسيا، وهي القطب الذي خسر «مضاد التطويق» المتمثل في حلف وارسو السابق..

لم تقابل واشنطن حل حلف وارسو بحل حلف «الناتو»، بالعكس ما قامت به الولايات المتحدة هو تعزيز هذا الحلف أفقياً وعمودياً، أفقياً باتجاه توسيع مساحته الجغرافية ليضم بلداناً جديدة في أوروبا الشرقية، وعمودياً بمعنى تقوية مركز الحلف وضبط أعضائه كي لا تنشأ ظاهرة ديغولية متمردة جديدة في أوروبا.

الهدف هو تقريب الطوق إلى حدود روسيا وحصر هذه المنطقة الواسعة والغنية المسماة «هارتلاند» من بيلاروس غرباً وحتى بحر اليابان شرقاً حتى لا تتصل مع العالم، وخاصة عبر «البحار الدافئة» كالأبيض والأحمر، بل هناك محاولة أمريكية لجعل البحر الأسود أيضاً مجرد بحيرة «للناتو» عبر السيطرة على أغلبية شواطئه «أوكرانيا – رومانيا – بلغاريا – تركيا»..

بدأ الطوق حول روسيا من الشمال الغربي حيث دخلت في عضوية الناتو دول البلطيق الثلاث ليتوانيا واستونيا ولاتفيا، مروراً نحو الجنوب ببولونيا ورومانيا وبلغاريا، وفي هذه المنطقة بالذات عززت الولايات حضورها عبر أوكرانيا، بعد بلغاريا يكتمل الطوق باتجاه الجنوب الشرقي أي تركيا العضو القديم في «الناتو» والذي يخنق البحر الأسود عبر امتلاكه مضيقي البوسفور والدردنيل.

باتجاه الشرق بعد تركيا تقع إيران، وهي الفجوة الأهم في هذا الطوق الممتد من أقصى الشمال إلى الجنوب ومن ثم نحو الشرق بعد إيران تأتي أفغانستان، وبعدها باكستان وهي مناطق نفوذ أمريكي. التواصل البري الوحيد الذي يبقى لروسيا هو في أقصى الشرق مع منغوليا والصين..

تسعى واشنطن لاحتواء إيران بشكل أو بآخر كي يكتمل الطوق من استونيا على البلطيق في أقصى الشمال الأوروبي وحتى منغوليا شرقاً.

احتواء إيران لإغلاق الفجوة همّ أمريكا الأول لكن الإيرانيين لم يقعوا في فخ الإغراءات الأمريكية ما أدى إلى تأجيل المحادثات حول الملف النووي، ومن المؤكد أن إيران لن توافق على أي ابتزاز لتطويق روسيا وهي التي تعمل على بناء علاقات جيدة مع الجار الشمالي.

تسعى روسيا لإضعاف الطوق الاستعماري بجميع الوسائل، ومن أهمها وسائل الضغط والترغيب الاقتصادي لتركيا وأوروبا الغربية، كما أن سيطرة الروس على القرم ونفوذهم في شرق أوكرانيا يعتبر عملاً دفاعياً لتعزيز وجودهم في البحر الأسود، كل هذا يؤكد أن القطبية الجديدة فيها بعد هيمنى من قبل «الناتو» مقابل محاولات روسيا لإنهاء سياسة الهيمنة والأحلاف وليس لبناء حلف معاكس كحلف وارسو.

بقلم: مهدي دخل الله