دمشق-سانا
أكثر من خمسمئة فنان وفني وتقني شاركوا في إنجاز مسلسل “الحب كله” الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مصدرة فيه أسماء جديدة في عالم الكتابة والإخراج والتمثيل ليحصد العمل الذي يتألف من ست خماسيات تلفزيونية ذهبية مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن فئة الأعمال الوطنية حيث اعتبر النقاد ولجنة تحكيم المهرجان المصري العريق هذا المسلسل من أهم الأعمال التي حققت شرطها الفني والإنتاجي سواء على صعيد الكتابة الدرامية أو الرؤى الفنية أو حتى على صعيد الصورة وآليات صناعتها.
ديانا جبور مديرة عام المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني قالت في تصريح لسانا الثقافية إن الجائزة بمثابة اعتراف بالدراما السورية التي لم تساير الراهن ولم تعمل على دغدغة الغرائز بل ظلت دراما ميزتها الأولى قدرتها على التصدي لموضوعات حساسة في المجتمع العربي ولهذا انتزعت سورية ذهبية مهرجان القاهرة لأن مسلسل “الحب كله” استطاع مقاربة الخطر الذي يهدد كل المجتمعات العربية دون أن يدخل في التفاصيل حيث ذابت كل الخلافات حول وحدة الموقف من الوطن وسلامته.
وأوضحت مديرة المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني أن إنتاج المؤسسة لأعمال الثلاثيات والخماسيات هو ليس قطعا نهائيا مع السائد بل ربما يكون شكلا فنيا اقترحته الحالة السورية الوسطية والتي حفزت الكثير من الوجوه الجديدة ومن الكتاب والمخرجين الشباب لضخ دماء جديدة وشابة في المقترحات الإبداعية التي شاهدها الجمهور في خماسيات “الحب كله” بحيث تعمل المؤسسة على الجمع بين الأسماء المكرسة وبين الأسماء الشابة كما حدث في مسلسل القربان بالتعاون بين الكاتب الشاب رامي كوسا والمخرج المخضرم علاء الدين كوكش أو كما سيحدث قريباً عبر التعاون بين المخرج الكبير نجدت إسماعيل أنزور والكاتب الشاب جورج عربجي في مسلسل ستقوم المؤسسة بإنتاجه تحت عنوان مؤقت “امرأة من رماد”.
وقالت جبور إن جائزة مهرجان القاهرة ليست متعلقة بآلية التوزيع السائدة على المحطات إلا في حال طلبت إدارة المهرجان من التلفزيونات المشاركة شراء الأعمال التي تنتجها المؤسسة فالجوائز لم تثبت جدوى في التوزيع حتى الآن لكنها تؤسس على مبدأ التراكم لرصيد إضافي يسجل للعمل الفائز.
العمل الذي حقق متابعة كبيرة في الموسم الرمضاني الفائت باستفتاءات جرائد ومجلات سورية وعربية كان خلاصة جهد جماعي عالي المستوى فخماسية “كلام في الحب” يقول عنها كاتبها الشاعر عدنان أزروني إنها كانت نتاجا للحب فالحب كما الطاقة، لا يفنى ولا يخلق من عدم، بل يتنقل بين أشكال وحكايات. فما كان قبل ملامسة هذا العبث، زمنياً، لا يمكن أن يختفي أو يزول. أدعي أن الخماسية نالت هذه الجائزة لأنها صورة مصدرة ومصنعة انتقلت بالشخصيات إلى أنماط، وبالتنوع إلى ثنائيات، وبالأفكار نحو قطبية شديدة حشرت الجميع في طرفين فالحب بطبيعته لا يقبل التنميط، ولا يعترف بصورة مصنعة ومعلبة، ولا يتعامل أو يعيش إلا مع الإنسان وبشخوص من لحم ودم. أن تعود عبر الدراما إلى أنسنة النموذج أن تعود إلى اللحم والدم والعاطفة من دون شوائب أو عوالق أو تصنيف، هذا ما حاولت تقديمه بهذه العبارات يوصف السيناريست عدنان أزروني مقولة خماسية “كلام في الحب” التي أخرجها محمد وقاف ويضيف أزروني “هذه الخماسية كانت محاولة للرجوع إلى الإنسان الصرف، خارج إطار التعليب أو القالب المسبق. وفيها مرور يمسح جملة علاقات تدور في فلك الحب لرصد احتمالاته وأشكاله المختلفة فالحب حب، والمبادرة حب، والعمل حب، والانتقاد حب، والانتماء هو كل الحب”.
وتدور خماسية “كلام في الحب” حول شخصية “راوية” التي أدتها الفنانة ندين سلامة والتي تشق طريقها في مهنة المتاعب “الإعلام” وبحب تنظر وتلتقي بـ “ربيع.. خالد القيش” الذي عانى مخاضاً بحب ولأجل حب فانتقل من حبه الخاص لـ “راوية” إلى حب أعم يكمن في العودة عن تدمير بلده.
من جهته قال محمد وقاف مخرج خماسية “كلام في الحب” إن ذهبية القاهرة جاءت تأكيداً على قيمة الدراما السورية وتفردها وهذا جاء بعد اشتغال جميع مخرجي المسلسل فأكثر ما لفتني في عملي على الخماسية التي قمت بإخراجها أنني استطعت أن أشتغل عليها من دون أن أصب الزيت على النار فأنا ضد أن يسهم أي عمل مهما كان صغيراً في تأجيج الأزمة، وزيادة الشرخ بين مكونات المجتمع السوري. وهذا ما وفره لي النص الذي اشتغلت عليه ليترك أثراً إيجابياً ينبع من ضمير كل سوري على اختلاف ظروفه وانتماءاته فقدمت من خلال “كلام في الحب” رسالة مفادها بأن حب الوطن هو الأساس وحب الإنسان لأخيه الإنسان ركيزة لا بد منها للحياة.
وعن التطرق إلى دور وسائل الإعلام ضمن “كلام في الحب” أوضح المخرج وقاف أن الإعلام من أخطر أسباب الأزمة في سورية فهو من ساهم بزيادة حجم الدمار الحاصل فالأثر الإعلامي لعب دوراً كبيراً بانحراف جزء كبير من الشباب عن الخط الوطني والانتماء لسورية والقناة الإعلامية كانت محوراً ضمن العمل ورابطاً بين الشخصيات. سلطنا من خلاله الضوء على جزء من الأداء الإعلامي ولكن ما كان يهمنا أكثر هو العاملون في الإعلام وكيفية تأثير الميديا في أسرهم وما الانعكاسات السلبية على أطفال أولئك الإعلاميين الذين يتابعون أكثر من غيرهم. “استعدادا للرحيل” كانت من بين الخماسيات التي ضمها مسلسل “الحب كله” والتي تم تصويرها بين حديقة المتحف الوطني ومقاهي ساروجة وحيي المزة و”عين الكرش” وغيرها حيث رصدت هذه الخماسية فترة العدوان الأمريكي المحتمل على سورية وانعكاساته على سيرورة الحكاية وصيرورة الشخصيات إذ تميزت الخماسية حسب مخرجها وسيم السيد بتنوع أجوائها وعوالمها ما أتاح بحسب السيد مساحة واسعة للمحاولة وإعمال فكر إخراجي لتقديم شيء مختلف؛ وذلك عبر استغلال كل العناصر الدرامية والفنية المتوافرة، ولاسيما أن المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي لم تبخل بتوفير كل ما يلزم لتحقيق ذلك.
ويصف السيد الأسلوب الذي اتبعه في إدارة فريق عمل الخماسية التي كتبها الشاعر عمر الشيخ وجسد فيها أدوار البطولة كل من عامر علي دينا هارون-رنا ريشة-سعد مينه-ضحى الدبس-قاسم ملحو-محمد خير الجراح-إبراهيم أسعد-وائل شريفي-محمد عمر-ريم نصر الدين-أحمد علي وغيرهم بأنه كان يعمل على قوة حضور الممثل في الكادر التلفزيوني من أجل الوصول إلى مستوى أداء مغاير لما نشاهده عادة في مسلسلات الثلاثين حلقة. وقال إنني أعتقد أن عاطفة الحب لدى السوريين فطرية ولا تؤثر فيها مشاعر الخوف التي عايشوها في زمن الحرب بل كان هناك تأكيد في “استعداداً للرحيل” على نبل الإنسان السوري ومقدرته على الاستمرار في الحب والتمسك بحضن الوطن النازف في مواجهة كل النوازع التي تدعوه إلى تركه وهذا باعتقاد المخرج السيد جعل مسلسل الحب كله يفوز بذهبية مهرجان القاهرة.
كاتب الخماسية عمر الشيخ أوضح أن رؤيته وما أراد البوح به من خلال السيناريو هو ما يعتقد أنه أثار الناس ففي التلفزيون تختلط الصور فترتفع وتيرة التعب ويصبح الجمال في معناه البصري والجوهري حاجة لترميم الناس ومنحهم بعض السفر في الخيال والابتعاد عن أشكال القبح التي تخلفها الحرب هكذا تدخل الدراما في صراعها الإنساني لتبرهن على مدى مصداقيتها عبر تجربتها الأقسى في محنة البلاد “النص من جهة” الفكرة المشتركة مع الإخراج ذاك التناغم الحقيقي هو باعتقادي ما لفت الجمهور وجعله متمسكاً بالحلم ولو عبر صورة درامية”.
“طيران” هي إحدى الخماسيات التي ضمها مسلسل “الحب كله” لمخرجها زهير قنوع وكاتبتها آنا عكاش حيث يقول مخرج هذه الخماسية عن أسباب خصوصيتها إن “الخماسية فازت كما المسلسل طبعا فالنص الذي كتبته آنا عكاش كان عميقاً وإنسانياً ورقيقاً للغاية ويحاكي ما نعيشه الآن” ويضيف قنوع شارحا “راعيت في تصوير هذه الخماسية النزول إلى مواقع التصوير الحقيقية كما اعتدنا على ذلك في الدراما السورية ولم أفضل الأماكن الهادئة بل على العكس كنا نصور بين الناس لأن هذه الدراما ينبغي أن ننطلق فيها من الناس وإليهم”.
النداء الأخير للحب كانت من بين الخماسيات التي ضمها مسلسل “الحب كله” والتي تقول عنها كاتبتها رانيا بيطار “النداء الأخير للحب كانت آخر نداء ينطلق عادة كتنبيه للمسافرين قبل إقلاع الطائرة وترك المسافرين في المطار وهي أتت رمزا لحجم الخطر الذي تتعرض له سورية إن لم نسرع للملمة جراحنا ومحبة بعضنا من جديد”.
بدورها قالت سهير سرميني مخرجة النداء الأخير للحب “إن أكثر ما لفت نظري في نص بيطار هو ارتباطه بالواقع الراهن فمعايشته دراميا من الممكن أن تؤثر في المشاهدين ولا سيما أن الخماسية سلطت الضوء على التغيرات التي طرأت على السوريين قبل وبعد الحرب”.
وقالت المخرجة سرميني “أوجه نداء لكل السوريين فإننا إن لم نعد يدا واحدة وعقلا واحدا فإننا سنخسر الكثير وبالدرجة الأولى سنخسر أنفسنا ووطننا ففوز مسلسل “الحب كله” بذهبية القاهرة يجعلني أدرك الآن أن قيمة هذا الموضوع تأتي من كونه مفيدا للناس لتوعيتهم بما يحدث في بلدنا ونحن الآن أحوج ما نكون لنتفق ونعيد النظر بكل خلافاتنا لأننا بالنتيجة نبقى أهلا وينبغي أن نبقى مع بعضنا”.
الفنان نجاح سفكوني أحد أبطال خماسية “النداء الأخير للحب” قال أن الخماسية خصوصا ومسلسل “الحب كله” عموما تناولت موضوعا أساسيا وهو أن البعض في سورية حاول أن يغامر من أجل الخلاص الفردي لكن تبين في النتيجة أن ذلك غير وارد على الإطلاق فما يجري منذ ثلاث سنوات ونصف السنة تأثر به الجميع ومن سافر عاد بخيبة أمل ومن بقي أصبح مطالبا بأن يعيد النظر بكل شيء ولا سيما على الصعيد الإنساني لأن الروح تمزقت وتبعثرت إذ كان من المهم في هذا العمل أن هذه الفقاعة من التغييرات الكبيرة وبعد أول منعطف إنساني ستعيد السوريين ليشعروا ببعضهم بعضا فكما أن الحرب فرقت فإن اللحظة الإنسانية جمعت.
يذكر أن مسلسل “الحب كله” يتألف من ست خماسيات هي “إيقاع” تأليف آنا عكاش وإخراج زهير قنوع.. كلام في الحب كتبها عدنان أزروني وأخرجها محمد وقاف.. ما زالت الحافلة تسير تأليف ديانا فارس وإخراج غسان جبري.. النداء الأخير للحب للسيناريست رانيا بيطار والمخرجة سهير سرميني.. استعدادا للرحيل كتبها عمر الشيخ وأخرجها وسيم السيد.. نصر تأليف فادي زيفا وإخراج زياد جريس الريس.. وجميع الخماسيات بإشراف ديانا جبور.
سامر إسماعيل