تبدو مريبة الانعطافة الجديدة في مواقف أكبر وأخطر داعمين وراعيين للإرهاب في سورية، ولعله بات فعلاً من الحكمة التسليم، ولو جزئياً، بهواجس المتوجسين من دوافع آل سعود -الملطّخة أيديهم بدماء أبرياء سورية- لطلب المصافحة مع موسكو و”توسيطها” من أجل التوطئة لتفعيل مسارات الحل السياسي في الداخل السوري، كما ولعله من حسن الفطن الشك بتحرّك “مصاص الدماء” أردوغان نحو الجزائر ورئيس حكومته باتجاه بغداد، وما رافق ذلك من تحليلات وظنون بوجود “تسوّل” لوساطة من عاصمتين تربطهما علاقات طيبة مع الجانب السوري…
فثمة ألف سؤال وسؤال حول هكذا تحوّل، يقفز إلى ذهن كل متابع تقليدي، وأكثر من ذلك إلى أذهاننا نحن السوريين المكتوين بلفحات النيران المستعرة التي أشعلها ونفخ فيها –بإصرار- الطرفان السعودي والتركي!.
وقد تكون أولى مبررات الشك مسألة ذات صلة بالوضع العقلي والسلوكي لـ “مرسال” آل سعود إلى موسكو، وزير خارجيتهم، الذي تجتاحه نوبات متواترة من أشكال وأشباه داء الرُّعاش والزهايمر، وكذلك أردوغان الذي أكدت أحدث تشخيصات أحواله العقلية إصابته بجنون الارتياب “التشخيص صادر من قصر الإليزيه الفرنسي، الذي جمعه بشبيهه هولاند مؤخراً”، أي ثمة قلق مشروع بشأن إمكانية الثقة بصاحبي الحالتين والتسليم بجنوحهما لحل سياسي حقيقي في سورية.
إلّا أن الشطر الآخر من مسوغات الظن، هو ذلك المتعلق بوقائع الميدان والخناق الذي يضيق تباعاً على الجماعات الإرهابية المدعومة سعودياً وتركياً، والآراء التي تذهب لترجيح سعي هؤلاء لاستجداء سبل إرساء “هدنة المهزوم” عبر العزف على وتر الحل السياسي المطروح رسمياً من قبل الدولة السورية والأصدقاء، الذين يتمّ توسيطهم حالياً، وهنا يمكن التسليم بمبدأ التسويات التصالحية على مسارات الثقة بأصدقائنا، لكن يبقى توقيت الأطروحات والمساعي السلمية الجديدة والثمن المطلوب مثار التساؤلات الملحّة التي دفعت بشكوك قد لا نملك إلا الإنصات مليّاً لأصحابها!.
أما السؤال الأهم الذي يقدّم نفسه بإلحاح فهو: هل المطلوب من راعيي الإرهاب هذين الاستعراض بمبادرات حل سياسي، أم يكفي أن يكفّا عن صب الزيت على النار السورية، والإحجام عن إجهاض و”حرق” كل مبادرة حل سياسي تلوح في الأفق، لتسير الأمور نحو أفق تسويات تصالحية، وبالشكل الذي دعت إليه الدولة السورية منذ بداية الأزمة؟.
الواقع أن ثمة تسابقاًً سعودياًً–تركياً للخروج من المشهد السوري بما يحفظ ما يعتقد كلا الطرفين أنه بقي من ماء وجهه، وهو في ذات الوقت سباق نفوذ باتجاه حيازة موقع على خارطة الحل، الذي بات مرجحاً كخيار، بعد الانتصارات السياسية والعسكرية التي حققتها سورية، وبعد المتغيّرات التي فرضتها جملة المستجدات في الميدان العسكري.. من ظهور “داعش” كقوة تتوعّد مصالح معظم الأطراف، ولا سيما السعودية، إلى تلاشي الجماعات الإرهابية التي تعمل تحت مسمى “الجيش الحر”، وبالتالي خسارة تركيا لأبرز أوراقها الرابحة، هذا إلى جانب التطورات السريعة في الأروقة السياسية، وأبرزها إحراز تقدّم ما على خط العلاقة مابين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في وقت تسعى الأخيرة أيضاً إلى حفظ ماء وجهها، وعلى الأرجح هي من أوعزت لحليفيها التركي والسعودي للانتشار والبحث عن مخارج، فلجأ الأول إلى العتبة الجزائرية والعراقية، والثاني لاذ بالبوابة الروسية.
أياً كانت التفاصيل يبقى ثمة استنتاجات ترقى إلى مستوى الحقائق، تؤكد أن الأمور تسير باتجاه الحلحلة بعد طول تعقيد وتداخل.. حلحلة على الطريقة السورية، لا الأمريكية ولا الأوروبية ولا التركية ولا الخليجية.. ليبقى المطلوب أيضاً الحذر على الطريقة السورية ممن “يداه أوكتا وفوه نفخ”.
بقلم: ناظم عيد