ريف دمشق-سانا
الوفاء للوطن وتحدي العدوان على سورية هي العناوين العريضة للقصائد التي ألقاها الشعراء وائل أبو يزبك وابراهيم مطر ووفاء دلا خلال الأمسية الشعرية التي أقامها المركز الثقافي العربي بجرمانا بالتعاون مع فرع اتحاد الكتاب العرب بريف دمشق مساء أمس.
وافتتح الشاعر ابراهيم مطر الأمسية بقصيدة شعرية بعنوان “هذه دمشق” سطرها بحب الشام والتي تعني له سورية الأم مختارا لقصيدته حرف الباء رويا لنصه الشعري الذي تلاءم مع موسيقى البحر البسيط والشجن الذي ساهم في تكوين القصيدة لكنه لم يتمكن في أغلب نصوصه في الحفاظ على وتيرة الروي والقافية فظهر بعض الخلل الذي أنهك عددا من قوافيه فقال..
الشام أمي وفيها اخوتي وابي…والشام عندي لمن ضل الطريق نبي
والشام تبقى لأهل الصدق قبلتهم…وتقبر الشام من ناموا على كذب
كل العواصم قد شح العطا بها .. والشام تعطي بلا من ولا ريب
وفي نصه الآخر الذي ألقاه من شعر التفعيلة عبر مطر عن حزنه وألمه لما يدور في سورية محاولا أن يلتزم بإحدى تفعيلات البحر الوافر ونغمتها الملائمة لأي عاطفة إلا أنه ألصق حرف الباء بالحرف المشبه بالفعل عندما ضغطت عليه الموسيقا مما سبب بإطرابها قال في نص “ألا يدري”..
ألا يدري .. بأن المجد يأتيها على أقدامه يسعى إذا ما سامه الوجل
وأن الأمر محسوم .. بأن مبادئ أرست قواعدها ثوابت مالها بدل.
أما النصوص التي ألقتها الشاعرة وفاء دلا فتنوعت مواضيعها بين حب لمسقط رأسها وبين غزل ونصوص اجتماعية ملتزمة بأسلوب التفعيلة الذي حاولت أن تطرزه بألفاظ شفافة انتقتها من الحياة اليومية التي يعيشها كل إنسان فقالت في نصها “رسولة الإدهاش”..
الحرة في النبض وفي اللغة .. وفي اللغة الزرقاء وفي الحب أنا
أكب إيقاع حياتي .. بشغاف النار .. حروفي وجع صوفي .. وقصيدة
ولعي موج سري وعقيق .. وزنابق سوداء
ورأت في قصيدتها “مدينتي سلمية” أن هذه البلدة هي التي عاشت فيها طفولتها وأجمل أيام عمرها كانت المرابع الطاهرة وسماء الروح عندما أتت منها إلى دمشق فقالت..
مليكتي ويا سماء الروح .. ويا رنين الألم الساكن .. بين غائر
الجروح .. قد جئت من دمشق يا مدينتي أمشي اليك .. والحنين
خطوتي تحملني الطفولة.
في حين ألقى الشاعر وائل أبو يزبك قصائده التي التزمت بأسلوب الشطرين وتميزت برصانتها ومتانة ألفاظها ووجود الخبرة التي جمعت بتقنية فنية بين الألفاظ المعاصرة والألفاظ التراثية القديمة محاولا أن يصنع لغة شعرية جديدة إلى المتلقي كما قال في قصيدة “نبي الشعر” التي كتبها لدمشق ..
كأني يا دمشق خلعت ظلي .. على فسحيك في القمم الفساح
تغض الشمس عني وهي تهوي .. بحضن الليل عارية الوشاح
تلملم ما تذهب من أصيل .. وتجمع ما تأهب من أقاح
وتهمس وهي هاوية أعرني .. رداءك يا دجى فالبدر صاح
واستطاع أبو يزبك في قصيدته التي القاها بعنوان “قربان في الولادة الجديدة” أن يوفق بين الحب والطبيعة فأنجز أسلوبا تعبيريا رقيقا ملتزما الانتماء الشعري الأصيل وعراقة الماضي الذي تميز بصعوبة الفاظه وجزالة معانيه فقال..
يا أجمل النظرات الحور في عمري .. وأطهر الخفرات الخود والعين
يا ظل وارثة نام الهجير بها .. ريان بين غصون اللوز والتين.
وفي استطلاع لآراء الحضور من نقاد وشعراء بين الناقد الدكتور غسان غنيم أن قصيدة ابراهيم مطر ظلت في دوائر التقليدية متأثرا بالشاعر محمد مهدي الجواهري بألفاظه والقائه إلى أن طغت شخصية الجواهري على شخصيته في حين استطاعت دلا حسب رأيه أن تكون شاعرة بجدارة حيث امتلكت الية ولغة شعرية عبرت خلالها عن حس وطني.
ولم ير غنيم أن القصيدة عند وائل أبو يزبك أحدثت اختراقا أو ابتكارا فهي لم تخرج عن حدود التقليدية ولم نجد تلاعبا باللغة فظلت بأعلى درجات السلم التقليدي برغم قدرة الشاعر الواضحة على كتابة هذا النوع من الشعر.
أما الدكتور الناقد عاطف بطرس فاعتبر أن الشاعر مطر ألقى بيانا سياسيا وهجائيا موزونا ومقفى وهذه المقومات يمكن أن يتكئ عليها الشعر لكنها ليست شعرا ولا تكفي لبناء الشعر والقصيدة برغم نجاح التناص الموجود عنده معتبرا أن الشاعر أبو يزبك يستحق الوقوف عند قصائده حيث قدم نصوصا بنبرة عالية وخطابية مقرونة بالفن كما أنه يملك معجما لغويا ولفظيا وثقافة ومفردات وتجربة شعرية إلا أنه قدم مفردات غير معروفة.
أما الشاعرة وليدة عنتابي فرأت أن الشاعر مطر اشتغل على تحديث الانفعال الذي طغى على نصوصه أما قصائد دلا برأيها فقد قدمت محاولات لتفعيل اللفظ في استخدامات غير مألوفة وليس كل مألوف بمستهجن وليس كل جديد بمبتكر وهذا جهد واضح في استيراد المعاني تحت مظلة لحظة الإبداع.
ورأى الكاتب مزيد نرش أن وائل أبو يزبك أدخل في قصائده الفضاء والرمز والتراث والانزياح الفكري الجميل والصورة بيد أن ابراهيم مطر جاءت قصيدته رتيبة ولا يوجد فيها انزياح لأن الشاعر يرى ما لا يرى الانسان العادي فعليه أن يقدم ابتكارا جديدا كما خلط بين القصة الشعرية والشعر فلم تأتي النتيجة موفقة إضافة إلى الإلقاء الانفعالي الذي خنق روح القصيدة.
وقال الشاعر سليمان السلمان إن انتقال مطر في قوافيه غير منسجم مع واقع البناء الشعري رغم أنه شاعر وهذه مسؤولية النقاد لأنهم لم يحذروه من ذلك.
وأثنا سلام ياسين عضو منتدى جرمانا الثقافي على الأمسية معتبرا أن القصائد التي ألقيت جميلة وفيها طموحات فنية وأفكار ومعاني تعبر عن قيم جمالية وغنى يبشر بحضور ثقافي لافت.
محمد الخضر