“داعش” واستنساخات 11 أيلول

لعلها لن تتأخر القوات البرية الأمريكية لتطل على مشارف بغداد، وتعود إلى حيث كان خروجها خطأً مختلفاً عليه في أروقة القرار الأمريكي، ليس بين ديمقراطيين وجمهوريين، بل بين ديمقراطيين وديمقراطيين، لكن الخروج حصل، وكان “بيضة ديك”، تركت ألف سؤال وسؤال، عندما اتخذ أوباما القرار، والآن بات لابد من العودة، فأوباما وفى بوعده، وها هو في ولايته الثانية، التي يتسم نصفها الأخير لدى الرؤساء الأمريكان المتعاقبين بخصوصية التماهي المعلن مع تقاليد الهيمنة، فالماكياجات ليست مطلوبة بإلحاح في أعراف من هم في خريف العمر.

وزير الدفاع الأمريكي بدأ التوطئة المطلوبة لمشروع عودة قواته البرية إلى العراق،  وفيما يشبه النكتة يبرر بأن الهدف هو المساعدة في تحديد الأهداف الأرضية لطيران التحالف المشدود الأعصاب حالياً في المواجهة المزعومة مع”داعش”!.

حكاية القوات البرية حلقة في سلسلة خيارات غير معلومة للجميع بعد، يسعى صاحبها الأمريكي لإعادة ترتيب المفردات والإحداثيات الجيوسياسية في المنطقة، وهي خيارات رحبة ربما أتاحها “داعش” وفبركات محاربته الذريعة القابلة للاستثمار طويل الأمد، فالتنظيم ابتكار جديد الإنتاج والتصنيع وضعته واشنطن في الخدمة منذ فترة ليست طويلة، وما زالت فترة الصلاحية مديدة، وعلى شعوب المنطقة أن تنتظر المآل الذي سترسو عليه النيّات الأمريكية، لكن علينا ألّا نستعجل لأن الأمريكي يتحرّك ببطء وفق سيناريوهات مئوية الحلقات، على طريقة الدراما المكسيكية، أو فريق كرة قدم ضمن الفوز ويسعى لإضاعة الوقت، ليس إلّا.

فبالأمس منح الأمريكان امتياز تدريب “المعارضة المعتدلة” لآل سعود، واليوم بدأ الدفع بـ “الامتياز” ذاته باتجاه أردوغان وعصابته، وقبلها أوعزوا لجنرال كبير من جنرالاتهم ليهزأ من مفهوم “المعارضة المعتدلة”، وممن حضروا أنفسهم للانضواء تحت هكذا مسمى، وفصول متتالية من لعبة ابتزاز كبرى يمارسها الأمريكي على كل شركائه المفترضين.

من الأمريكي إلى الإسرائيلي تمتد حكاية استثمار عائدات “داعش”، الذي وفّر أفضل ظرف إقليمي ودولي من أجل ترتيب جديد في الداخل الفلسطيني، ونجزم بأن ما حققته “إسرائيل” لنفسها على مستوى التخريب والإرهاب بحق فلسطينيي قطاع غزة، والآن فلسطينيي الضفة، بات غير مسبوق بنتائجه المباشرة، تحت الغطاء الداعشي وانشغال الشعوب العربية وشعوب العالم وأروقة المجتمع الدولي بمنظماته قاطبةً بمواجهة التنظيم والغرق في فوبيا حرب، هي أقرب ما تكون إلى الحرب الافتراضية منها إلى الحرب الواقعية.

لقد حوّل “داعش” واستنساخاته الانتباه عن جرائم “إسرائيل”، وثمة محاولات واضحة لإسقاط سمة “المركزية” عن القضية الفلسطينية في أدبيات الشارع العربي، كما وبالإمكان معاينة ملامح الشرخ الذي بدأ يظهر في الصف الفلسطيني على مستوى القيادات، وفصول التسفيه المتبادل، التي من شأنها التأسيس لأكبر إساءة يمكن أن يتعرض لها شعب احتلّت أرضه وانتهكت مقدساته، أي إنها نكبة أخرى أشد وطأةً من الأولى!!.

إن جملة ما يجري من وقائع وما يلوح من نيات أمريكية و”إسرائيلية” في الأفق يضع شعوب المنطقة – بما فيها الشعوب المستلبة لقيادات تابعة للأمريكي- أمام حتمية البحث عن خياراتها المطلوبة في مواجهة طيف الخيارات الأمريكية المفتوحة على كل ما من شأنه نسف البنى التراثية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية لمجتمعات تموضعت تاريخياً في مناطق ذات ميزات نسبية ومطلقة، إن لجهة الموقع والجغرافيا، أو لجهة الثروات والنعمة التي حوّلها الحكام المتسللون إلى مقصورات القيادة في بلدانهم الثرية إلى نقمة ما بعدها نقمة.. وقد تكفي اعترافات الأمريكي جون بيركنز “القاتل الاقتصادي” لإدراك حجم المأساة التي وطّنها “مشايخ البترول” في بلدانهم وبين شعوبهم، ووصل لفحها إلى شعوب المنطقة قاطبةً.

بقلم: ناظم عيد