الشريط الإخباري

من فوق الشجرة..!!

تُفرط أميركا في استخدام أوراقها وترمي بها على الطاولة دفعة واحدة، في وقت لا يزال من المبكر الحديث عن حدود ومساحة المواجهة المحتملة، والسيناريوهات التي وضعتها بعض الاستنتاجات المتسرعة بعد التصعيد الأميركي الأخير حيال إيران والمنطقة، والتهديد بعصا العقوبات التي ستطول كل من يتجرأ على خرقها أو التفكير بتحدي القرارات الأميركية.

فأميركا التي بالغت منذ البداية في صعودها على الشجرة، لم تترك فرصة لأحد من أجل التقاط طرف الخيط الذي يمكن أن تقف عنده سقوف التصعيد، ما صعّب المهمة على كل من يعتقد أن بمقدوره البحث عن تلك النقاط والتقاط الأنفاس، ويبدو أنه ليس هناك من هو مستعد لتقديم السلّم لها، وخصوصاً أن تصريحات ترامب أغلقت الباب أمام الحديث عن خيارات وسط، تصلح لتكون منصة سياسية للموازنة بين الحراك السياسي والتحرك الميداني.

على أن الحشد العسكري وما فيه من استعراض للعضلات التي برزت على خلفية التدافع والمزايدات، التي تتناوب أركان الإدارة الأميركية على إطلاقها ودخولهم في سباق من التصعيد، كان يضع سيلاً إضافياً من الافتراضات الموازية المتعلقة بحدود ومساحة التصعيد، رغم القناعة بأن التحريك لأدوات القوة يبقى في جانب كبير منه عملاً دعائياً وإن كان من الصعب الركون إليه أو الاطمئنان له.

الفارق أن أميركا التي كانت تنتظر أن تبادر إيران حسب وهمها لملاقاتها وسط الطريق تفاجأت بأنها تذهب في الاتجاه الآخر، وتبدي معاندة تجاه كل خطوة أميركية بما يوازيها، وبدل أن تستجيب للمخاوف الافتراضية التي وضعتها السياسة الأميركية، أبدت رداً لم يكن يتوقعه الأميركيون، وبدأت كرة الثلج بالتدحرج وسط مواقف تصعيدية أميركية تقابلها مواقف إيرانية صلبة، لم تتردد في التلويح بذات الأدوات التي تبتز بها أميركا.

استعراض القوة يقابله ما يوازيه في الشطر الآخر، ومواقف سياسية لا تقل بأي حال من الأحوال عن التصعيد والتسخين العسكري، والمجابهة كانت لها مجابهة مضادة، والإجراء يقابله إجراء من الصنف ذاته، ومن النوع نفسه، إلى أن وصلت أميركا إلى النقطة التي يصعب العودة منها أو عنها، لتبقى حيث هي معلقة من مواقفها، تنتظر من يقدم لها السلّم للنزول، ومن يأخذ بيدها للعودة من حيث بدأت، وينقذها من الغرق في وهم فائض القوة..!!

فمن عشرة شروط وصلت أميركا إلى شرط واحد، ومن سلسلة مطالب وصلت إلى حيث لا يوجد مطالب واضحة أو محددة، بقدر ما هي استجداء للجلوس على الطاولة، وحاملة الطائرات التي كانت في سياق مهمة مستعجلة، باتت تقوم بمجرد عمل روتيني، والسفن الحربية الإضافية أصبحت في إطار البحث عن مهمة شبه جمالية لمرافقة حاملة الطائرات، لا تزيد ولا تنقص.

المشهد في عموميته ينطوي على مفارقة صارخة، استنفدت صلاحية الاستخدام، وترامب الذي يرسل رقم هاتفة للإيرانيين يريد أن يحادثهم حيث هو ومن فوق الشجرة التي صعد عليها، على أمل أن تكون المحادثة بديلاً يحفظ ماء الوجه، وفريقه «الحربجي» يريد أن يناقش الأمور وأصابعه على الزناد تهديداً ووعيداً، والبقية الباقية من حلفائه هم أقرب إلى المتفرجين في مسرح السيرك العالمي يصفقون، وحين يعجزون يبدؤون بالنحيب على ما فات..!!

بقلم: علي قاسم