الحرب الجديدة ..!

في هذه الحرب..

لا يمكننا إنكار أن هناك سوريين وجدوا ضالتهم الفكرية والعقائدية في تنظيمات تكفيرية كـ«النصرة» و«داعش» و«جيش الإسلام».. وغيرها.

لا نتحدث هنا فقط عن خيارات فكرية لأشخاص، وإنما عن شريحة اجتماعية معينة آمنت بمشروع هذه التنظيمات، وساندته في مرحلة زمنية معينة.

وهذا ما كان ليحدث لولا وجود بيئة فكرية محلية قابلة للتعايش أو التعاطي مع المشروع الفكري التكفيري لهذه التنظيمات..!.

مع ضرورة التمييز هنا بين بيئة أجبرت بالقوة على القبول بسلطة الأمر الواقع، وبين بيئة تطوع أفرادها للقتال في صفوف تلك التنظيمات، والتنكيل بالسوريين وتعذيبهم..

اليوم، يحضر هذا الملف من زاويتين..

الأولى تتعلق بمصير هؤلاء، والخطوات الواجب على مؤسسات الدولة والمجتمع تنفيذها لإعادة تأهيلهم فكرياً واجتماعياً، ودمجهم من جديد في المجتمع السوري الرافض للتطرف والتكفير..

والثانية تتمثل في تجفيف منابع الفكر المتطرف ومصادره المحلية والخارجية، فما حدث سابقاً من تهاون في قراءة التحولات والمتغيرات التي طرأت على المجتمع السوري خلال السنوات السابقة للحرب يجب ألا يتكرر.

ماذا نقصد هنا؟

يعلم الجميع أن هناك دولاً إقليمية وغربية عملت خلال العقود والسنوات السابقة على نشر فكر ديني متطرف، وحاولت جاهدة استبدال تيارات دينية معتدلة ومتسامحة بأخرى منحرفة ومتشددة، خدمة لمشروع سياسي باتت ملامحه واضحة مع مرور الأيام،

واستخدمت لذلك وسائل مختلفة ومتعددة، بدءاً من تغلغلها ثقافياً وإعلامياً، إلى دعمها المادي المباشر، وصولاً إلى محاولتها فرض عاداتها وتقاليدها وثقافة حياتها على الشعوب والمجتمعات الأخرى..

فهل على سورية في هذه الحالة أن تغلق حدودها تماماً وترتد إلى الداخل، أم إن عليها مواجهة الأمر داخلياً بطريقة تحصنها فكرياً واجتماعياً على المدى البعيد؟.

من دون شك ستذهب معظم الإجابات نحو الخيار الثاني لاستحالة تنفيذ الأول في ظل ثورة تدفق المعلومات، لكن بالمقابل فإن الخيار الثاني ليس سهلاً، ويحتاج إلى مجهود كبير، وعلى أكثر من محور..

وقلنا الداخل أولاً لسببين: الأول لأن البيئة المتماسكة تطرد دائماً الأفكار الغريبة غير المتجانسة معها، والثاني لأن الحرب أحدثت خرقاً فكرياً واضحاً يجب عدم إهماله وتركه يتحول لاحقاً إلى عامل جديد، يبني عليه الآخرون حرباً أخرى، ليست بالضرورة على «شاكلة» ما تعرضت له البلاد مؤخراً.

أولى خطوات مواجهة الفكر «الأسود» العابر للحدود تبدأ من الداخل عبر إعادة النظر بعمل المؤسسات المعنية بصناعة الفكر والثقافة لتكون قادرة على الاستجابة الفعلية لمرحلة ما بعد الحرب، وكذلك بالمحافظة على نموذج الحياة السوري المهدد اليوم بفعل ما تسببت به الحرب من خلل اجتماعي واقتصادي عميق.

ويبقى السؤال الذي تتولد عنه عدة تساؤلات فرعية: من الذي يجب أن يقوم بهذه المهمة؟ وكيف سيتم ذلك؟ وماذا عن الأدوات وآليات العمل المقترحة؟ وكيف يمكن قياس النتائج وتقييمها؟.

هناك دول قلة مرت بأزمات وحروب كبيرة واستطاعت أن تجيب عن الأسئلة السابقة، والأهم أنها نجحت في تجاوز عقدة الفكر الذي أدخلها في «جهنم» الحرب، وتحولت تالياً إلى نموذج تنموي وحضاري لافت.. وسورية لن تكون بعيدة عن تحقيق ذلك أيضاً.

بقلم:  زياد غصن