مؤتمر العائلة وتحديات العصر: ما يقوم به الإرهابيون لا يمت إلى أي دين في شيء

بيروت-سانا

اختتم في بيروت اليوم مؤتمر “العائلة وتحديات العصر في الشرق الأوسط” الذي افتتح أمس في المركز البطريركي العالمي لحوار الحضارات “الربوة” بإصدار البيان الختامي للقاء الربوة وقع عليه أمين عام مجمع أساقفة العالم في الفاتيكان لورانزو بالديساري وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندرية والقدس للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية.

وأشار البيان إلى أن “الناس على إمتداد الرقعة الممتدة بين العراق وسورية وعلى التخوم الأردنية واللبنانية والفلسطينية والتركية باتوا أسرى لدوامات عنف دمرت كل أسباب الاستقرار والكرامة البشرية بأبسط تعبيراتها وأسباب العيش بأدنى مستوياتها وهذا ما نشهده كل يوم مع حركات النزوح”.

وأوضح البيان “أن المواجهات العسكرية دخلت في مرحلة العنف العدمي الذي تنتفي معه التمييزات الفكرية والأخلاقية والسياسية وتسقط المبررات أيا كانت مضيفا “إن العائلة التي نتحدث عنها اليوم باتت في مهب النزاعات المتفلتة وهذا ما نشهده وما تشهد عليه آلام ملايين المهجرين الهائمين داخل بلدانهم وعلى التخوم المجاورة مع كل ما رافق ذلك من مآس إنسانية وزعزعة للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل دول الجوار”.

وتناول البيان عدة محاور أهمها النموذج الذي أرساه لبنان في مجالات الحوار الحضاري في كل مندرجاته وهو الرد العملي على التطرف في كل أشكاله السياسية والدينية ودعا إلى ‘يجاد أطر تواصلية وتضامنية بين مختلف المؤسسات الدينية والسياسية لتفعيل العمل الحواري كأفضل سبيل لوضع حد للتفاعلات النزاعية على تنوع مداراتها والتمهيد لصياغة حركة سلمية تدرجية تنقلنا من واقع المواجهات المفتوحة إلى حالة الحوار البناء غير المشروط لوضع الأسس الفعلية لعملية العبور إلى السلام الناجز.

وأوضح البيان أن الفراغات الدستورية المتنامية التي يعيشها وطننا تستدعي مواقف وإعلانات مبدئية حازمة لجهة التنبه إلى خطورة سقوط الدولة في ظل الإنهيارات الجارفة التي أطاحت بالنظام الإقليمي وفتحت المجال أمام تمدد مساحات الفوضى وما أدت إليه من تحول المدى الإقليمي إلى ساحة مواجهات بين سياسات نفوذ إقليمية متصادمة وتيارات راديكالية أطاحت بكل الإعتبارات التي تنتظم على أساسها العلاقات الدولية وادت إلى انهيار كل الروابط السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي تحول دون بروز مسالك استباحية لحقوق الأفراد والجماعات.

وكانت كلمة الختام لبطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية والقدس للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام شكر فيها الذين عملوا على تهيئة المؤتمر والمشاركين وحيا العائلات في مشرقنا العربي بداية من لبنان الرسالة وفي سورية والعراق والأردن ومصر والشرق الأوسط عامة مهد المسيحية والديانات والحضارات.

وقال البطريرك لحام في كلمة له في ختام المؤتمر “كلنا مدركون كم من الويلات ستجر هذه الحروب على الأسرة العربية المشرقية من ذلك أخطار الترهيب والتعذيب والقتل والإعدام والاغتصاب والصلب والنزوح القسري المفاجئ ومنظر المهجرين والجائعين والمشردين والعراة… والذين بلا مأوى ولا مدرسة ولا جار ولا صديق ولا لغة تفاهم… هذه الأمور تؤثر سلبيا ونفسيا وعاطفيا على نفوس ومشاعر الأطفال والأسر والمجموعات وتنشر فيما بينهم عواطف العنف والإرهاب والأخذ بالثأر والبغض والكراهية.. وتجعلهم خطرا على مجتمعهم”.

ودعا البطريرك لحام للتفكير بمشاريع صغيرة وسواها متنوعة بروح خلاقة تستجيب للحاجات الجديدة التي تواجه الأسرة بجميع أفرادها ولاسيما الأطفال.

وقال نائب البطريرك العام على أبرشية الجبة المارونية المطران مارون عمار “إن القاسم المشترك الذي يجمع بين واقع العائلات في الشرق الأوسط هو عدم الإستقرار الاقتصادي والأمني وتعدد الإنتماءات الدينية والسياسية والإتنية وكل هذه الأمور تشكل تحديا كبيرا للاستقرار العائلي”.

وأعرب عمار عن أمله بأن يلقي هذا المؤتمر الضوء على طرق متعددة تساعد نمو الحوار ضمن العائلة ويفتح أبوابا بوجهنا تساعدنا على الدخول في عمق سر الإنسان الآخر الذي يريدنا بقربه ومعه يدا بيد لصنع المستقبل.

من جهته قدم أمين عام مجمع أساقفة العالم في الفاتيكان الكاردينال لورانزو بالديساري المداخلة الأولى التي شدد فيها على أنه “لا بد من التشديد على أن صورة الطريق المتبع كانت مناسبة”.

بدوره أشار النائب فريد الياس الخازن في كلمة له إلى أن التحديات التي تواجه دول الشرق الأوسط ومجتمعاتها فيما يخص العائلة والشأن التربوي والثقافي الاجتماعي غير مسبوقة في حجمها ومضمونها وتداعياتها وهي تختلف عن تلك التي تواجهها العائلة والمجتمعات في مناطق أخرى من العالم.

من جهته قال عضو الهيئة الإدارية في اللجنة الاسقفية للعائلة والحياة جورج عزو في كلمة بعنوان “المجتمع بين التعصب والاعتدال” إن “التطرف يصبح سرطانا فتاكا عندما لا يعود يخضع لسلطة عقل رزين وثقافة المحبة والإيمان بجوهر كيان الانسان عندها ينمو التعصب الاعمى الذي يسعى إلى فرض مفهوم للحقيقة في التعاطي الآخر”.

وفي مداخلة للأمين العام للجنة الحوار الإسلامي المسيحي محمد السماك حول “سبل مواجهة التطرف الديني والحد من خطر الإرهاب” اعتبر “إن الحركات الإرهابية سممت العقول فالعلاقات بين الدول تسوى وتصحح لكن صناعة العقول على الكراهية والعدوانية والرفض الإلغائي للآخر أمر آخر” مؤكدا أن ما يقوم به الإرهابيون ليس تطرفا اسلاميا بل هو منطق مختلف لا يمت إلى أي دين في شيء ويمكن معالجته بالحكمة والموعظة الحسنة.

وقدم رئيس أساقفة اللاذقية المارونية المطران الياس سليمان مداخلة بعنوان “الحراك الفاتيكاني لدعم الوجود المسيحي والحوار” أدان فيها الانتهاكات الخطيرة التي قام بها تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسورية داعيا في الوقت ذاته رجال الدين في أنحاء العالم إلى لعب دور حاسم في التشجيع على الحوار بين الأديان والثقافات وإلى استنكار سريع لكل تشريع العنف من قبل الدين.

بدوره ألقى رئيس قسم الترشيد والتوعية الأسرية في دائرة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ الدكتور محمد حجازي مداخلة اعتبر فيها “إن لبنان يمثل بجغرافيته وديمغرافيته وتاريخه نموذجا استثنائيا في التراث الإنساني وهذه النموذجية تتوالد من القراءات الروحية والسماوية للأديان وليس على أساس الاجتهادات البشرية التي تأتي في مرحلة متأخرة عن القراءة الأولى لتؤكد بعقلانيتها القراءة الغيبية لنموذج التعارف الإنساني بمعزل عن الفروقات التطبيقية لها”.

وأضاف حجازي “إن الأصل في الوجود الإنساني هو الإندماج والتفاعل البشري الذي يؤسس لوحدة عقلية وروءية كونية واحدة تؤدي إلى إسعاد الإنسان وتحفيزه على الإرتباط بالدين السماوي كمدخل للخلاص ولا يمكن أن نستمر بأمان وطمأنينة وعدالة وتطور إلا من خلال الإتفاق على قبول الآخر ولو أردنا أن نختار الفهم الخاطئ للسلطة السماوية فإننا لن نقبل بعضنا البعض وسنكمل حياتنا ونحن نتنفس الانقسامات ولن نورث إلا الكراهية والأحقاد”.

وقدم المطران مارون لحام ممثلا بطريرك اللاتين في القدس فؤاد الطوال المداخلة الأولى عن أصداء تأثير وسائل الإعلام على أفراد العائلة وتعزيز الحوار مؤكدا أنه من المستحيل العودة إلى الوراء وتجاهل سلطة وسائل الاتصال الحديثة.

وقال المطران لحام “إن وسائل الاتصال الاجتماعي سيف ذو حدين.. حد إيجابي وحد سلبي..الحل يكون عبر التركيز على الحد الإيجابي” مشيرا إلى أن الحل هو في التريبة وفي الوعي وفي الحكمة وفي الحوار الهادئ مع الجيل الجديد كي يصل إلى نقطة يميز هو فيها ما هو جيد وما هو سيئ ما يساعده على بناء شخصية سليمة وسوية ومتزنة”.

بدوره قدم مدير عام شركة ألفا مروان حايك عرضا مصورا عن وسائل التواصل وتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي ودور التقنيات الحديثة في الحفاظ على المجتمع والعائلة شارحا التأثيرات الإيجابية للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والتهديدات على الانترنت مستندا إلى حقائق وأرقام، مقدما سلسلة إرشادات لحماية الأطفال على الانترنت.

وتحدثت المستشارة في المجلس الحبري في الفاتيكان للعلمانيين والأديان مارغريت بيترز عن تصويب المفاهيم الاساسية الجديدة للزواج والعائلة.

ورأت انه لمساعدة الشباب على استعادة الطريق إلى الحرية الحقيقية والسعادة التي يسعون لتحقيقها وعلى التمييز بين الحرية الكاذبة والحرية الحقيقية لا بد من فرض عملية تعليم متينة.

وقدم الوزير السابق مروان شربل مداخلة بعنوان “ديمقراطية العنف وضياع الفضائل في مسارب السياسات الضيقة” أكد فيها أن ما نشهده باسم الدين من الجماعات التكفيرية يسيء إلى المسلمين أكثر من أي طائفة اخرى لأننا تعلمنا الإسلام على غير هذه الطريقة لذلك كان موضوع هذه الحركات المصحوبة بتمايز في الشدة والعنف هي موضع استنكار من المراجع الفقهية في البلدان العربية والإسلامية بسبب نتائجها الكارثية على العائلة والمجتمع الإسلامي وعلى الدين بالذات.

وكان افتتح بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندرية والقدس للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام ورئيس اللجنة الأسقفية منسق لجان العائلة الكاثوليكية فى الشرق الأوسط المطران انطوان نبيل العندرى بالتعاون مع حاضرة الفاتيكان بعد ظهر أمس مؤتمر “العائلة وتحديات العصر في الشرق الأوسط” في المركز العالمي لحوار الحضارات بحضور السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم.