دمشق -سانا
نزلني عند السبع بحرات عبارة تتردد على مسمع سائقي وسائل النقل وعلى ألسنة المواطنين يوميا للدلالة على معلم رئيسي من معالم مدينة دمشق.
رمزية الاسم لا تدل على مبنى أو مكتب أو مؤسسة وإنما ساحة معروفة وسط دمشق ترسخ اسمها في أذهان الجميع لكن قلةٌ من يعرفون سبب هذه التسمية أو تاريخ هذا المعلم المهم في قلب العاصمة.
كل اسم يحمل قصة ترتبط إما بالذاكرة الشعبية لأهل تلك المنطقة أو بحدث تاريخي ما ومن اللافت أن الكثير من الناس يجهلون الأسباب الحقيقية لتسمية ساحة السبع بحرات أو اسمها السابق حسب رأي عدد من المواطنين التقتهم كاميرا “سانا” حول الساحة.
أنشئت الساحة في النصف الأول من القرن العشرين في حقبة الاستعمار الفرنسي مع التوسع العمراني لمدينة دمشق.
العم فائز سقلي الرجل التسعيني عاد بذاكرته الخصبة أمام كاميرا سانا لذكريات سنوات مضت وأحداث سجلت في ذاكرته عن الحقب التاريخية التي مرت بها الساحة قائلا: سبع بحرات .. كانت منطقة بساتين ذات طرقات ترابية غنية بمياهها وأشجارها المثمرة، متابعا أنشئت الساحة عام 1925 ميلادي وأطلق عليها آنذاك ساحة الكابتن وكانت مكونة من قبة وسبع بحرات ضمن الساحة وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية هدمت القبة وأبقي على البحيرات السبع.
ويشير العم سقلي إلى أن الساحة سابقا كانت الملاذ الصيفي لأهل الشام خاصة لسكان سوق ساروجة الذين يقصدونها للنزهة لطيب هوائها وكثافة أشجار بساتينها وهربا من الحر الشديد بالإضافة لوجود بستان اسمه بستان عين الكرش نسبة إلى نبعة مياه صافية رقراقة باردة تدعى عين الكرش وكانت مياه هذه العين تشكل بحيرات متتابعة تغمر المنطقة وتغذي البحرات السبع قبل الغزو العمراني للمنطقة .
وأوضح العم سقلي أن أهمية الساحة تأتي لتوسطها أحياء مدينة دمشق الحديثة لكونها عقدة مواصلات مهمة كما تتوسط الساحة أربع ساحات هي يوسف العظمة وعرنوس والشهبندر والتحرير وتتفرع منها أيضا ستة شوارع هي شارع 29 أيار الذي ينتهي في الصالحية وشارع العابد وشارع الباكستان وينتهي في شارع الشهبندر الذي افتتح في الأربعينيات إبان الحرب العالمية الثانية وشارع جول جمال ويمتد نحو الشرق ليلتقي شارع مرشد الخاطر الذي يطلق عليه حاليا شارع بغداد الراجع و فتح هذا الشارع في الخمسينيات من القرن المنصرم.
وتحدث لنا العم سقلي عن الأبنية المحيطة بالساحة كمصرف سورية المركزي ذاك البناء الضخم الذي شيد بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي حيث اقيم مكان ثكنة من ثكنات الجيش الفرنسي وكان المصرف قد أنشئء عام 1953 وباشر نشاطه في الأول من آب عام 1956 كما يحيط بالساحة مبنى اتحاد الحرفيين وهو مبنى قديم تراثي ومبنى اذاعة دمشق قبل انتقالها إلى شارع النصر وجامع بعيرة الذي أنشئء عام 1938.
بدوره بين العم سعيد محمد الحداد وهو ممن عاصروا تاريخ الساحة أن السلطات الفرنسية في عهد الانتداب اعتمدت توسيع طرق قديمة وفتح طرق جديدة لتسهيل حركة نقل العتاد والفرق العسكرية وللحد من نشاط الثوار وتم شق شوارع عدة أهمها شارع بغداد ليصل قلب دمشق مع ريفها وأنشئت ساحة إبان الثورة السورية عام 1925 ميلادي أطلقت عليها سلطات الاحتلال الفرنسي اسم احد جنرالتها الذي قضى على يد الثوار في نفس المكان.
وأشار العم سعيد الحداد إلى أنه بعد جلاء قوات الاحتلال الفرنسي عن سورية هدمت القبة بأمر رئيس الجمهورية شكري القوتلي الذي أبقى على الساحة وفي وسطها البحرات السبع وألغي الاسم بناء على القرار الصادر عن المجلس البلدي في دمشق الذي قرر إلغاء الأسماء الفرنسية لشوارع دمشق وتبديلها بأسماء عربية بالإضافة لإزالة كل نصب تذكاري فرنسي من شوارع وساحات المدينة.
وأوضح العم سعيد الحداد أنه في عام 1946 سميت الساحة بساحة 17 نيسان تخليدا لذكرى الجلاء وأصبحت رمزا لانتصار الوطن على المحتل الفرنسي أما الاسم الرسمي لهذه الساحة اليوم فهو “ساحة التجريدة المغربية” وأطلق عليها هذا الاسم بعد عام 1973 تيمنا باسم الكتيبة العسكرية المغربية التي شاركت في حرب تشرين التحريرية ضد العدو الصهيوني والتي أبلت بلاء رائعا في قتالها لدحر هذا العدو ولكن لم يزل الدمشقيون يطلقون عليها اسم ساحة السبع بحرات وقد جددت وطورت عدة مرات حتى أصبحت الآن في حلة بهية.
ويمكن القول اخيرا ان أهمية هذه الساحة ترتبط بذاكرة مدينة وحياة وماضي شعب متأصل في جذور مدينته ومحافظ على خصوصيتها وسواء عرفنا سبب التسمية ولمن تعود أو لم نعرف يبقى للساحة خصوصيتها ورمزيتها التاريخية والاجتماعية.
بشرى برهوم ورحاب علي
تصوير محمد السعدوني