اللبوس التركي الفضفاض – صحيفة الثورة

لم يكن بمقدور القمة الروسية التركية أن تتجاوز ما تراكم منذ آخر لقاء، بدليل أن ما تمكنت منه القمة يكاد في حصيلته النهائية يكون مجرد مقاربة ستنتهي مفاعيلها العملية مع أول اصطدام مباشر مع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهو أمر قابل للتكرار في كل خطوة، نظراً للهوة التي تفصل بين الأجندات التي تشكل الحامل الطبيعي للتموضع السياسي الذي يحكم موقف الطرفين.

ولعل التباين الحاد الذي ظهر في التحذير الروسي من خطورة الوضع في إدلب لم يكن من فراغ، خصوصاً أنه استبق الزيارة بساعات قليلة، ولم تستطع الكلمات الدبلوماسية أن تخفي ما ظهر من اختلاف في خريطة الأولويات التي تحكم المشهد من جوانبه المختلفة، فالروسي المهتم أساساً بكل ما يمكن أن يدعم مكافحة الإرهاب، كان التركي وعلى لسان أردوغان يغرد خارج الحسابات، حيث ما يهمه في نهاية المطاف أن يستفيد من وجود التنظيمات الإرهابية، وأن يستثمر في تلك الأوراق التي تجزم السياسة التركية على أنها آخر ما تبقى في الجعبة التركية، وقد تكون الأخيرة في سياق المحاولة لترميم الصورة النهائية.

فالواضح أن المقاربة التركية لم تقف عند حدود المساحة التي هيأتها لها العلاقة النشطة مع التنظيمات الإرهابية، بل ذهبت إلى استغلال وتوظيف المساحة التي أتاحتها لها تلك العلاقة على نحو متزايد بعد الحديث الأميركي عن انسحاب أقرب إلى الافتراضي، وبنت عليها سلسلة لا تنتهي من الافتراضات الموازية التي أرادت من خلالها المساومة والابتزاز، حيث حضرت مرة أخرى المنطقة العازلة المزعومة على نسق المحاولة الأميركية ذاتها والتشبه بمفرداتها كمحاولة مكشوفة لإحراج الروسي.

المفارقة أن الروسي الذي كان منذ بداية الطرح معترضاً على الفكرة وأكد استحالة التنفيذ بدا أكثر اعتراضاً إلى حد أن الحديث عنها في الجلسات المغلقة والمفتوحة لم يأخذ الحيز الذي كان يراهن عليه أردوغان، وبدت المقاربة الروسية صادمة للتمنيات التركية، وما عوّلت عليه طوال الأسابيع التي سبقت انعقاد القمة، التي توهم التركي أنها الفرصة السانحة للاصطياد في المياه العكرة التي أثارتها الزوبعة الأميركية والافتراض الموازي لها.

التركي عاد إلى لبوسه المعتاد.. وأظهر وجهه القبيح قبل ذلك بكثير، وهو القبح الذي أفضى إلى إثارة الريبة في كل ما يُقدم عليه، حتى في الطرح الذي يتلوه على مسامع الروسي في كل مناسبة وأحياناً خارج سياقه ومن دون مناسبة، أو لمجرد التذكير بجلدته التي لا يستطيع أن يخرج منها سواء كانت كفالته أميركية، أم اقتضت الضرورة في النبش بأوراق العلاقة مع الإرهاب، التي يعيد فرشها على طاولة اللقاء على نحو مستفز، وبشكل لم يعد من الممكن السكوت حياله.

الفرق بين التركي الذي يبازر الأميركي وذاك الذي يزعم فيه مفاوضة الروسي، أنه لا يستطيع أن يخرج من جلدته حتى لو تمنى ذلك لبعض الوقت، والفارق أنه في سياق مقاربته لا يقدر إلا أن يكون جزءاً من المشهد الإرهابي بياقة معدة لتكون على مقاس دوره الوظيفي المعتاد، والتي تتقاطع وفي كثير من الأحيان تتطابق مع عهدته ومع مبايعته الأخوانية وأجنحتها القاعدية، التي تعهد بها أن يكون نصيراً لها وناطقاً باسم إرهابها وإن اقتضت الضرورة تغيير اللبوس الفضفاض أو المشهد ومداولاته.

بقلم: علي قاسم