يبدو أن من أقدار هذه المنطقة عامة والشعب الفلسطيني خاصة توالي نكباتها جراء رحلة التآمر والتكالب الغربي عليها بعد النجاح الكبير في ضرب خاصرة الوطن العربي بخنجر مسموم في أرض فلسطين بإقامة كيان احتلال إسرائيلي كترجمة حقيقية وفعلية وعملية لوعد بلفور المشؤوم.
وحين نقول إن حظ هذه المنطقة يتمثل في النكبات، فإن الواقع هو ما يؤكد هذه الحقيقة، فمنذ سبعة وتسعين عاما مضت على وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر عام 1917 حين أعطى الاستعمار البريطاني وعدهم الباطل بتمليك ما لا يملكون لمن لا يستحقون من اليهود الصهاينة أرض فلسطين لإقامة كيانهم المسخ على أنقاضها، بناء على المقولة المزيفة والباطلة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، فمنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تتوالى النكبات والكوارث على المنطقة وشعوبها، في سلسلة لا تنتهي من المؤامرات والدسائس التي يحيكها هذا الكيان الاحتلالي المسخ ضد المنطقة من أجل ترسيخ احتلاله واستعماره وفرض هيمنته عليها وعلى مقدراتها مدعوما في ذلك بحلفائه الاستراتيجيين الذين لا يزالون يزودونه بخيرة ما تنتجه مصانع السلاح وأطوره لإبادة الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة التي شن ضدها حروب تدمير واحتلال وإبادة، ولا يزال يتحضر للمزيد من هذه الحروب ويتربص بها الدوائر إما بالدسائس والمؤامرات، وإما بالتحريض والاستعداد لانتهاز فرص الانقضاض على الدول التي لا تتقاسمه مشاريعه الاحتلالية والعدوانية وتناصبه العداء.
إن ما تشهده المنطقة وفلسطين المحتلة منذ اغتصابها هو استنساخ وإعادة إنتاج لوعد آرثر جيمس بلفور وزير خارجية الاستعمار البريطاني آنذاك، ولعل تبرير ما يقوم به كيان الاحتلال الإسرائيلي من جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية وتهجير ونهب للحقوق الفلسطينية بحجة “الدفاع عن النفس” ومساواة المقاومة الفلسطينية المشروعة بإرهاب العدو الصهيوني، هو أحد أشكال الاستنساخ والإنتاج، وكذلك ما يسمى التطبيع والعمالة له ولحلفائه، واعتبار أي عمل مقاوم موجه ضد الاحتلال هو مغامرة يدخل ضمن معادلة الاستنساخ والإنتاج والتأييد للاحتلال الإسرائيلي. كما أن الاستنساخ الأكبر لوعد بلفور المشؤوم هو حالة الاصطفاف التي ظهرت في ظل ما يسمى “الربيع العربي” بتشكُّل جيوش من العصابات الإرهابية تتستر بستار الإسلام وتتحالف مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه وعملائه وتدمر نيابة عنه دول المنطقة ومقدرات شعوبها تحت شعارات كاذبة تتعارض مع العقل والمنطق جملة وتفصيلا، ما أتاح لهذا الطارئ المستجد والغريب على المنطقة وعلى الأمتين العربية والإسلامية فرص الاستيلاء على المزيد من الحقوق الفلسطينية ودفع آلة الاستيطان والتهويد بأقصى سرعتها، واستباحة المسجد الأقصى وتدنيسه يوميّا صباح مساء، وتقسيمه زمانيّا وجارٍ تقسيمه مكانيّا، وتحت مرأى ومسمع من يدعون كذبا وزورا أنهم “ثوار وأحرار” وأنهم يقودون “ثوراتهم” من أجل تخليص شعوب المنطقة من الظلم والفساد واستعادة حقوقهم المسلوبة وإقامة ركائز العدل والمساواة، الأمر الذي فضح هذه الشعارات الفاسدة والباطلة لأنها قامت على باطل وفساد بيِّن، فحوَّلها إلى مجرد ترهات ومزاعم لا قيمة ولا اعتبار لها بالنسبة للمواطن العربي الغيور على دينه وعلى أرضه وشرفه وكرامته وعرضه وأخلاقه ودمائه وكبريائه، وبالتالي لا تنطلي مثل هذه الألاعيب والترهات إلا على من هم على شاكلة أولئك المأجورين والعملاء.
صحيح أن ذكرى وعد بلفور المشؤوم يصادف حملة إسرائيلية مسعورة ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، وسط حالة من الانحدار والتردي يصل إلى درجة الانحطاط الأخلاقي، وحالة من الخذلان العربي، إلا أن على الفلسطينيين أن يأخذوا من عبر التاريخ وأحداثه ونكباته المتوالية عليهم منذ سبعة وتسعين عاما، فهي في اعتقادنا كافية لذلك.
رأي الوطن