يا له من نفاق..!!

كان من اللافت للنظر في الأيام القليلة الماضية تلازم عودة الحديث الدولي، ولو بخجل، عن “جنيف” جديد، مع إطلاق المبعوث الدولي “دي ميستورا” تصريحاً غريباً عن “مناطق مجمدة” الصراع، وتحديده مدينة حلب، التي أصبحت، بالصدفة البحتة..!!، موضع اهتمام مفاجئ لـ “هولاند” باعتبارها “المدينة الرئيسية”، حسبما قال، وذلك كله بالتزامن مع ما تسرّب عن اجتماع عقدته منظمة “اليوم التالي” في معهد السلام الأمريكي في واشنطن مؤخراً لأنصار فدرلة سورية، والتي ترافقت، زمنياً أيضاً، مع دخول قوات أجنبية برعاية تركية إلى الأراضي السورية، وتحرّك “داعش” باتجاه حقل الشاعر للغاز تمهيداً لتدميره بالكامل، إما بيديه، أو بأيدي “ائتلاف أوباما”، وهما، على أي حال، فريق واحد في مهمة تدمير الدولة السورية وتقسيمها.

وبالطبع، في مخططات الدول الكبرى، لا شيء يحدث بالصدفة، وما تخططه واشنطن للمنطقة من “فوضى استراتيجية” كما وصفها “أنتوني كوردسمان”، يبدو أنه دخل مرحلة متقدّمة، فـ “دي ميستورا”، الذي أطلق من دمشق في زيارته الأخيرة أولوية محاربة الإرهاب والمصالحة الوطنية، عاد -بعد أن عاد إليه “رشده” في الخارج- إلى مسار “الإبراهيمي”، الذي تميّز بتجاوز مهمته الأممية وانجراره خلف أوهام المهل الزمنية القصيرة لسقوط الدولة السورية، وها هو خليفته -وبعد أن سقط وهم إسقاط النظام- يجري، متلاعباً بالألفاظ، “خلف أحلام التقسيم” بحجج إنسانية، كانت واشنطن، وأتباعها، وراء إيجادها وتعميقها بدعمهم الكامل للإرهاب، وعقوباتهم الاقتصادية الأحادية القسرية وغير المشروعة على الشعب السوري.

وإذا كانت تلك مخططاتهم، فإن المواجهة يجب أن تكون على قدر المخاطر، ومنطلقة من مبدأ أن أولويتنا، في سورية، هي الحل السلمي، وجعل البلاد بكاملها منطقة “بلا نزاعات”، وليست مجمدة النزاع فقط، وهذا يستدعي أولاً، من المتحدثين عن “جنيف3″، الاعتراف بخطئهم، بل بجريمتهم، في سورية، كما اعترفت علناً وزيرة الخارجية الإيطالية السابقة “إيما بونينو”، وبعد الاعتراف يأتي دور التكفير عن الذنوب، ما يعني تثبيت أولوية محاربة الإرهاب، وهو ما يستدعي بدوره، لجم شهوة أردوغان المتصاعدة للدماء عبر استمراره في فتح “أوتوستراد الجهاديين” لنحو ألف داعشي جديد يدخلون سورية شهرياً باعتراف مسؤولين أميركيين كبار.

كما يعني أيضاً، إنهاء مسلسل النفاق الذي يمارسه “ائتلاف أوباما”، الذي لم ينجح سوى في إلقاء الأسلحة لـ “داعش” في عين العرب”، والتفرّج على “النصرة” وهي تستولي على أسلحة “معارضته المعتدلة”..!!، وبينها صواريخ تاو الأمريكية، في ريف إدلب، وآخر “إنجازاته” التنصّت، بحسب “وول ستريت جورنال”، على الحكومة السورية لجمع معلومات عن “داعش”، بدل أن يتنصّت على عواصم الإرهاب، الدوحة وأنقرة والرياض، ففيما يرتاد إرهابيو “داعش” مراكز التسوّق في الدوحة علناً، وفق مسؤولين غربيين، تستضيف “شقيقاتها” اليوم إرهابيين “داعشيين” مطلوبين رسمياً من القضاء اللبناني، إضافة إلى استضافتهما الدائمة لإرهابيين من كل جنسيات العالم.

لكن للحديث الخجول عن “جنيف” جديد، و”المناطق المجمّدة” وجهاً آخر، فبعيداً عن النفاق الواضح في ثنايا هذه الطروحات، ومحاولتها المكشوفة لـ “تجميد” انتصارات الميدان السوري خوفاً من هزائم أكبر قادمة، إلّا أن هذه النغمة ما كان لها أن تُعزَفَ، لولا تسارع تطوّرات عدة في المنطقة على وقع تسليم، شبه كامل، باستحالة إسقاط سورية.

وفي هذا السياق يبدو أنه من اللازم، في هذه العجالة، القول للسيد “دي ميستورا”: إن الخروج من نفق مسلسل النفاق المزمن هذا، لا يمكن سوى بالعودة إلى طريق دمشق و”شارعها المستقيم”، خاصة وأنه في المأثور الغربي ذاته حين يهتدي ضالّ ما، يقال له: “لقد وجدتَ طريق دمشق”، أما سلوك الشوارع المتعرجة، فليس له سوى نهاية واحدة الاستماع إلى الشعب السوري وهو يقول، كما قال الدكتور بشار الجعفري في الأمم المتحدة، يا له من نفاق..!!.

أحمد حسن

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …