هروب من البوابة الشمالية

لم تظهر في الأفق بوادر حسم لـ “المنازلة” متعددة الأطراف، التي تجري جولاتها على مسرح عين العرب، ولعل الجولة الأبرز التي تستحق المعاينة والتحليل العميق، هي تلك المتعلقة بالتنازع الذي بات معلناً بين آل سعود و”عصابة العدالة والتنمية” في تركيا، وقطر، التي باتت ملحقة بالأخيرة، ولم تعد تستحق من حيث مؤهلات الحضور والفعل على الأرض أن تُمنح لقب طرف مستقل، وتبدو فصول الصراع حادة ومحتدمة فعلاً، لأنها تقوم على خلفيات التماثل والتشابه في المنطلق والمؤدى والهدف، بكل ما في هذا التشابه من تبادل في الإطلاع على الخفايا والخلفيات، وبالتالي نقاط الضعف، ولن نقول نقاط القوة، في مشهد أخذت بوادر التداعي الفاضحة تعلن نفسها فيه على الملأ.

“عرّابو” الإرهاب وحراس عتبات الاستهداف والقتل والترويع يتصارعون اليوم تحت العنوان الجاذب “الإرهاب يأكل بعضه بعضاً”، وهي نبوءة طالما كانت مقدّمة موضوعية في قراءات المحللين السياسيين لمآل المؤامرة” متعددة الجنسيات” على سورية.

في عين العرب تتموضع تدريجياً “مدافن” أحلام السطوة والسيطرة ونهايات كئيبة جداً لمشاريع تقويضٍ ممنهج لكل ما هو ناصع في أدبيات البشر، وفي خلاصات متوالية لتسلسل حضاري ثمين، اختصرته مفاصل التاريخ والجغرافيا في هذه البقعة الجميلة من العالم، والتي اسمها سورية، إنه الصراع ما بين بغضاء الوهابية المدمِّرة، وجذوة إقصاء لا متناهية، وصمت تنظيم مشبوه النشأة اسمه “الإخوان المسلمين”، وها هي فصول الصراع تستعر والأخبار تتوالى بسرعة عن متغيّرات يومية تصفع بقوة الطرفين المتناحرين، صفعة مدوية لآل سعود تليها أخرى لأردوغان، والصافع أمريكي، والمتلقي طرفان باحثان عن النجاة في معركة ستقرر خواتيمها مصير عروشهم إلى الأبد، فما يمكن تلمسه في مجريات الميدان في عين العرب أن القطبين الداعمين للأطراف المتصارعة جاءا إلى سورية لحصاد الغنائم وانتزاع شهادات السطوة، فباتا يبحثان عن مخارج آمنة لمصائرهما السياسية، ويبدو ذلك جلياً من وقع “ضربات الخائف”، وضربات الخائف غالباً ما تكون آخر ما في جعبته من أوراق.

لقد بدأت “الذئاب الجريحة” تلعق دماءها استشراساً أمام حقائق السقوط والمصير المحتوم بنهاياته السوداء، فلدى آل سعود –غير المال– ما يشي بانقراض، ربما لم يعد ببعيد، بفعل الأمراض النادرة التي تعصف بأسرة استَهلكت فاستُهلكت فتهالكت، وقد تكون النهاية مخبأة في حنايا المسألة السورية، بل على الأرجح هذه هي الحقيقة، وسيعاين العالم مشاهد نهاية صلاحية مسلية لمن أصروا على أنهم “طوال العمر”، وهاهم ينازعون البقاء في عين العرب.

ولدى غريمهم أردوغان وثلّته ما ينذرهم بنهايات مُذلّة لمشروعهم، من سقوط إخوان مصر، إلى إرغام الحليف القطري على الانزواء القسري والانكفاء المعلن، ما خلا الضخ المالي -لعل في ضخ ما كان مخصصاً لاستضافة مونديال 2020 لدعم تنظيم داعش في عين العرب مؤشر على أن ثمة مشكلة مالية أيضاً لدى هؤلاء ما يعني أن المشيخة باتت بلا مخالب ولا أنياب”-، إلى سقوط الحليف التونسي “حركة النهضة”، التي حوّلت تونس إلى أرحب مصنع لإنتاج وتدجين الإرهاب المعد للتصدير إلى سورية، وصولاً إلى الأزمة الشعبية الداخلية التي تحاصر “السلطان اليائس”..

كلها مؤشرات وإشارات واضحة لا تحتاج إلى المزيد من التحليل والتأويل، حتى وإن حاول نقل المعركة مع آل سعود إلى إدلب أو سواها من المناطق في الداخل السوري، سيبقى العنوان العريض أن سورية انتصرت على الإرهاب الذي اختار الهزيمة عبر البوابة الشمالية، ومن يدري فقد تكون في الأفق تتمة لتصفية حسابات الخيبة والهزيمة النكراء، لكن ليس هنا بل هناك في الداخل التركي، وربما في الداخل السعودي أيضاً، ولهذا الفصل حديثٌ آخر.

ناظم عيد