يكثر الحديث عن لجنة مناقشة الدستور.. وتكثر التصريحات حول مساحة الاتفاق والاختلاف في النقاط الإشكالية التي أثارتها منذ اللحظة التي بدأ طرح تشكيلها،
ومن المؤكد أنها ستبقى موضع إشكال لن ينتهي في وقت قريب بحكم ما يحيط بها من مقاربات تبدو ميالة بطبعها إلى الأخذ والرد، وتحتمل الكثير من التأويل الذي يزداد مع المداولات الجارية في جنيف وما نتج عنها، وغيرها لإنضاج طبخة يحول دون تحقيقها الكثير ، ومن العسير تجاوز ما يعترضها في الشكل والمضمون.
المفارقة أن اللجنة التي يُفترض أن تكون نتاج اتفاق السوريين، وأن تقتصر أدوار الأطراف الأخرى -بما فيها الأمم المتحدة- على تسهيل الوصول إلى تفاهمات حولها، تحوّلت لدى البعض إلى منصة أو منبر للمحاصصة والبحث عن الاحجام السياسية لكثير من الدول من خلال التمثيل الذي تسعى إليه، حيث تدوير الزوايا عند أولئك ليس على أساس مصلحة السوريين، ولا بما يخدم العملية السياسية والحل السياسي، بل يكون على أساس معايرة أي الزوايا تمكّنه من تحقيق أطماعه وأغراضه، أكثر مما تستهدف المساهمة في رؤية لجنة قادرة على تقديم ما يحتاج إليه السوريون.
وعلى هذا الأساس بدت الصعوبات التي تعترض تشكيل اللجنة نابعة من هذا الإشكال الذي تورّم إلى حدود غير مسبوقة، وأصبح برأي المبعوث الأممي أم المشاكل المستعصية، وباتت اللجنة أساساً يمكن على ضوئه قياس مدى التقدم أو المراوحة في المكان، ما أضاف الكثير من الهواجس والمخاوف الحقيقية لدى أغلبية السوريين الذين رأوا في هذا الإصرار على تجاوز المبعوث الأممي لصلاحيته ولدوره مدخلا للتعويض عمّا فشل به ومن معه من رعاة الإرهاب عبر دعم التنظيمات الإرهابية، وفي بعض الحالات كان صوته المرتفع ولغته التي خرجت عن أعراف الدبلوماسية تعكس غيظه الشخصي من الفشل في تمرير الأجندات التي تقف خلف ذلك الإصرار.
وهذا ينسحب على مواقفه المختلفة منذ اللحظة التي تولى فيها مهامه الأممية، وباتت تلك المهمة تعاني من وجوده، حيث أثقل في طروحاته على المهمة ذاتها، وكان في كثير من الأحيان سبباً للتعثر الذي واجهها في مختلف المراحل، خصوصاً في ضوء الاستعصاءات التي واجهت المحاولات الغربية لفرض واقع سياسي يكون قاطرة للمشهد الميداني بدل أن يكون العكس هو القائم، بدليل أن ما تحقق ميدانياً لم يكن مفاجئاً ومغايراً فحسب، بل سبب مباشر لفشل المشروع الإرهابي بأوجهه الإقليمية والدولية، وتحديداً في شقها الغربي والذي بات إلى حد بعيد يحصي أيامه الأخيرة أو لحظات نعيه القادمة.
اليوم يبدو المشهد على مفترق طرق، حيث ما تحقق على الأرض جزم بما لا يدع مجالاً للشك بأن الكثير من الطروحات أصبحت خلفنا، وأن الكثير من المحاولات باتت مجهضة من تلقاء ذاتها، ولم يعد لها موقع أو مكان للتداول السياسي على ضوء الكثير مما تم تحقيقه بعيداً عن مناكفات الدور الشخصي للسيد دي ميستورا، وبعيداً عن حسابات منظومة العدوان التي تتفرغ بأدواتها ومرتزقتها.. الأصلاء منهم أو الوكلاء لإحصاء خسائرهم وفي الحد الأدنى للحد من نزيف رصيدهم السياسي والميداني.
ولجنة مناقشة الدستور ليست بعيدة عن هذا الموضع، ولا هي خارج تلك المعادلة، سواء قبل بذلك المراهنون بذلك أم رفض السيد دي ميستورا ذاته، الذي لن يكون شاهداً على تصاعد دخانها الأبيض إذا ما قدّر لها أن ترى النور في وقت من الأوقات بعد أن كان شاهد عيان على الملفات السوداء التي كانت خلفها، ولاعباً في مداورة الزوايا لإعادة تركيب ما عجز عنه في سنوات وجوده العجاف، ذلك الوجود الذي كان وراء تعثر مدخلات اللجنة وغيرها التي باتت اليوم أمام فرصة الخلاص من ذلك الظل الثقيل وتبعاته، حيث غياب دي ميستورا عن المشهد السياسي الأممي يشكل فرصة لاستعادة الدور الأممي توازنه، وللجنة العتيدة أن تسلك طريقها، وإن كانت برأينا قد فقدت الكثير من مبررات وجودها وباتت مخرجاتها عسيرة، حالها في ذلك حال الكثير مما تم تداوله في جنيف وما قبلها وحتى بعدها.
بقلم ..علي قاسم