ريف دمشق-سانا
معالم أثرية وتاريخية متعددة تحتضنها مدينة يبرود التي تعتبر من أهم الحواضر التاريخية السورية يعود بعضها لأكثر من 300 ألف سنة وتتنوع بين الوديان والمعابد والكهوف والمغاور والمدافن وغيرها.
الموقع والمناخ والغنى بالمياه الجوفية وطبيعة أرضها الجبلية وامتلاكها لكنوز أثرية تمتد من العصر الحجري حتى يومنا هذا أعطى المدينة قيمة تاريخية وسياحية كبيرة إضافة إلى عراقة صناعتها ما جعلها محط أنظار واهتمام الباحثين والمؤرخين على امتداد العصور.
كنوز وآثار مدينة يبرود لم تسلم من اعتداءات التنظيمات الإرهابية وعبثها مثلها مثل بقية المعالم التاريخية في سورية فكانت عرضة للنهب والسرقة والتخريب طيلة فترة تواجد الإرهاب في المدينة.
سانا زارت المدينة ووثقت معالمها التاريخية المتموضعة في مختلف أنحائها وقدم مدير آثار ريف دمشق جهاد أبو كحلة في لقاء خاص مع الوكالة لمحة عن أهمية كل موقع على حدة وفترته التاريخية ونوع الضرر الذي لحق به.
وأكد كحلة أن الوديان من أهم المواقع الأثرية التي تحتضنها مدينة يبرود بينها “وادي اسكفتا” الذي نقب فيه العالم الفرد روست عام 1930 واستمر حتى عام 1933 مشيرا إلى أن الوادي يضم ستة ملاجئ وكهفا.
وأوضح كحلة أن الملجأ الأول هو الأهم نظرا لكمية اللقى الأثرية التي اكتشفت فيه والتي تعود لعصور مختلفة يمتد على طول أسفل الجرف الصخري في الوادي فيما يقع الثاني على الحافة الشمالية للوادي والثالث في الجهة الشمالية والرابع شمالي الوادي في جبل شميس والخامس غربي الملجأ الثاني ولم يتم التنقيب فيه فيما يقع السادس على طريق النبع في اسكفتا.
وبين كحلة أن نشر العالم روست لأبحاثه في كتاب مكتشفات مغاور يبرود أسهم بقدوم بعثة أمريكية من جامعة كولومبيا بإدارة الباحث رالف سوليكي وزوجته إلى يبرود بين عامي 1963 و 1965 معتبرا أن أعمال التنقيب التي قامت بها البعثة أغنت البحث في آثار العصر الحجري وأكدت مكتشفاتها وجود بقايا عظمية لحيوانات وقطع فحمية تؤرخ لأكثر من 300 ألف سنة.
مدير آثار ريف دمشق لفت إلى وجود مدافن ملكية شمال الوادي تعود إلى العصر البرونزي الوسيط تضم 17 شاهدة شاركت المديرية العامة للآثار والمتاحف في عامي 1964 و 1965 بإدارة الباحثين علي أبو عساف وقاسم طوير في التنقيب عنها مؤكدا أن الحضارة اليبرودية استمرت دون انقطاع حتى أنها ذكرت في منتصف القرن الأول قبل الميلاد بالرقم الفخارية لبلاد ما بين النهرين وذكرها بطليموس في القرن الثاني الميلادي بكتابه البلدان ما يدل على أهمية يبرود التاريخية.
كحلة أكد أن فترة سيطرة التنظيمات الإرهابية على المدينة أثرت سلبا على عمليات التنقيب حيث قام الإرهابيون بنبش المدافن الملكية الموجودة في الوادي بحثا عن الكنوز والذهب وحرقوها إضافة إلى التعدي على الموقع وملاجئه.
وأشار كحلة إلى أن معبد الهواء يعتبر من أهم المواقع الأثرية التي تعود إلى الفترة الكنعانية والآرامية ويقع في الجهة المقابلة لوادي اسكفتا إلا أن العبث به من قبل التنظيمات الإرهابية أدى إلى ضياع جزء كبير منه وقال: إن “معبد الشمس يعد أيضا من أهم الآثار الموجودة خلال الفترة الكنعانية لكنه حول خلال الفترة الرومانية إلى معبد للإله جوبتير وخلال القرن الرابع الميلادي إلى كاتدرائية قسطنطين وهيلانة وهي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا وتم ترميمها أكثر من مرة.
وهناك أيضا المدافن الموجودة في وادي قرينة وهي من أهم الآثار العائدة للفترة الرومانية وتقع على السفوح الصخرية للوادي على يسار الطريق العام المتجه من يبرود إلى رأس العين ويبلغ عددها 18 مدفناً تعرض بعضها للتخريب وتمت سرقة سور الحماية لأحد كهوف وادي مشكونة.
ويضم وادي قرينا الممتد باتجاه مدينة معلولا بحسب كحلة العديد من الكهوف تعود للعصرين الحجري والروماني وأغلب الوديان كانت تتوافر فيها المياه والغابات وتعتبر متنفسا لأهالي يبرود والمنطقة.
ولفت كحلة إلى وجود سكن في قلب مدينة يبرود يدعى تل القبع ولا تزال بقايا أثرية منه قائمة حتى الآن تعود إلى الحامية الرومانية التي كانت تقطنه آنذاك إلا أن التل تم التعدي عليه من خلال الحفر بوسطه بشكل غير شرعي من قبل الإرهابيين وهناك معالم لا تزال قائمة مثل مصلى السيدة زينب وكاتدرائية نيقولاس وبعض المعالم العائدة للحقبة الإسلامية لكن هذه الفترة لم تتم دراستها كما يجب لتحديد آثارها ولم يبق من مساجدها القديمة إلا مئذنة جامع الخضر.
مدير آثار ريف دمشق أشار إلى أن المديرية تعمل بالتعاون مع محافظة ريف دمشق والمجلس البلدي والفعاليات الأهلية لحماية معالم يبرود الأثرية عبر وضع حراس للاهتمام بها ومتابعتها لكنه عبر عن أسفه لعدم وجود حراس كفاية للقيام بهذه المهمة بشكل دائم كون المواقع الأثرية في المدينة كثيرة ولا يمكن للمديرية تغطيتها وحمايتها بشكل منفرد.
وكشف كحلة أنه يتم العمل بالتعاون بين المديرية العامة للآثار والمتاحف ومجلس مدينة يبرود لاستملاك موقع تل القبع وتحويله إلى معلم أثري مهم في المنطقة مؤكدا أن جميع آثار يبرود سجلت على لائحة المواقع الأثرية الوطنية في أكثر من قرار.
مرعي البرادعي الباحث في شؤون يبرود التراثية والتاريخية والثقافية أشار في لقاء مع مندوبة سانا إلى أهمية مواقع هذه المدينة تاريخيا وضرورة إيلاء آثارها الاهتمام اللازم والحفاظ عليها بعد التعديات الكثيرة التي أصابتها خلال السنوات الأخيرة من قبل التنظيمات الإرهابية وغيرها.
سفيرة اسماعيل